هذا وذاك ، وغيرهما ممّا لم نذكره ، وجاء في الحديث والتاريخ ، يعرب عن أنّ التعليم الغيبي لا يختصّ بالأنبياء ، وأنّ هناك رجالا صالحين ، يحملون علوم النبوة ويحتضنونها بفضل من الله سبحانه ، لغاية قدسية هي إبلاغ الأمّة الغاية من الكمال ، وإيصاد الثغرات الهائلة التي تخلفها رحلة النبي.
الإشكال الثاني
إذا شهد التاريخ ، والمحاسبات الاجتماعية ، بعدم استيفاء النبي لمهمة التشريع ، فما معنى قوله سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١)؟.
الجواب
إنّ السؤال مبني على تفسير الدين بالأحكام الشرعية ، وحمل الإكمال على بيانها. وذلك غير صحيح لوجوه :
الأول ـ إنّ كثيرا من المفسّرين ، فسّروا اليوم ، بيوم عرفة ، من عام حجة الوداع (٢). ومن المعلوم أنّ هناك روايات كثيرة لا يستهان بها عددا تدلّ على نزول أحكام وفرائض بعد ذلك اليوم ، منها أحكام الكلالة ، المذكورة في آخر سورة النساء (٣) ، ومنها آيات الربا (٤) ، حتى روي عن عمر أنّه قال في خطبة خطبها : «ومن آخر القرآن نزولا آية الربا ، وإنّه مات رسول الله ولم يبيّنه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم» (٥). وروى البخاري في الصحيح ، عن ابن عباس ،
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٣.
(٢) لاحظ تفسير الطبري ، ج ٦ ، ص ٥٤ ، تفسير الرازي ، ج ٣ ، ص ٣٦٨.
(٣) سورة النساء : الآية ١٧٦.
(٤) سورة البقرة : الآيات ٢٧٥ ـ ٢٧٨.
(٥) الدر المنثور ، للسيوطي ، ج ١ ، ص ٣٦٥. ولاحظ تفسير الرازي ، ج ٢ ، ص ٣٧٤ ، ط مصر في ثمانية أجزاء.