يلاحظ عليه : إنّ اللطف عبارة عما يقرب الإنسان من الطاعة ، ويبعده عن المعصية ، وهذا لا يتصور إلا في دار التكليف لا دار الجزاء ، فالدار الأولى ، دار العمل والسعي ، والآخرة دار الحساب والاجتناء.
وأما ما ذكروه أخيرا من أنه لو علم أنّه يفعل ما يستحقه من العقوبة على كل وجه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر ، فهو لم تم ، لوجب سد باب التوبة ، لإمكان أن يقال إن المكلّف لو علم أنّه لا تقبل توبته كان أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية.
أضف إلى ذلك أنّ للرجاء آثارا بنّاءة في حياة الإنسان ، ولليأس آثارا سلبية في الإدامة على الموبقات ، ولأجل ذلك جاء الذكر الحكيم ، بالترغيب والترهيب معا.
ثم إنّ الكلام في جواز العفو لا في حتميته ، والأثر السلبي ـ لو سلّمناه ـ يترتب على الثاني دون الأول.
الوجه الثاني ـ أنّ الله أوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب ، للزم الخلف في وعيده ، والكذب في خبره (١) ، وهما محالان (٢).
الجواب : إنّ الخلف في الوعد قبيح ، وليس كذلك في الوعيد ، والدليل على ذلك أنّ كل عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد في ظروف خاصة ، فلو كان العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحا ، لوجب أن يكون كذلك عند كل عاقل. ولعل الوجه في عدم كونه قبيحا هو أنّ الوعيد حق ، والعفو إسقاط ، ومثل ذلك يعد مستحسنا لا قبيحا ، إذا وقع العفو في موقعه ، ولأجل ذلك يقول الشيخ الصدوق : اعتقادنا في الوعد والوعيد هو أنّ من وعده الله على عمل ثوابا ، فهو منجزه ، ومن وعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن عذّبه فبعدله وإن عفا عنه
__________________
(١) أخطأ المستدل في هذا ، فإن الوعد إنشاء وليس بإخبار حتى يلزم فيه الكذب.
(٢) شرح العقائد العضدية ، لجلال الدين الدواني (م ٩٠٨) ، ج ٢ ، ص ١٩٤.