أدلة القائلين بخلقهما
أستدل على كون الجنة والنار مخلوقتان ، بوجوه :
الوجه الأول : قصة آدم وحواء ، وإسكانهما الجنة ، وأكلهما من الشجرة ، وخصفهما عليهما من ورق الجنة ، ثم إخراجهما منها ، على ما نطق به الكتاب والسنة ، وانعقد عليه الإجماع قبل ظهور المخالفين. وحملهما على بستان من بساتين الدنيا ، ليس عليه دليل (١).
يلاحظ عليه : إنّ حمله على غير جنة الخلد التي هي قرار المآب وجنة الثواب ، ليس أمرا بعيدا ، والجنة في أصل اللغة يعبر بها عن الرياض ، والمنابت ، والأشجار ، والحدائق ، والكروم المعروشة ، والنخيل.
وعلى هذا قوله سبحانه : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) (٢). وقوله سبحانه : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (٣).
ويمكن أن يؤيّد ذلك بأنه لو كانت جنّة الخلد ، لما خرج منها ، قال سبحانه : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤).
وهذا ، وإن كان يمكن حمله على من دخلها بعد دار الدنيا ، وهو غير متحقق في آدم ، ولكنه احتمال في مقابل احتمال. وكما لا يمكن الاحتجاج على كونهما مخلوقين بما ورد في جنة آدم ، كذلك لا يمكن الاحتجاج عليه بما ورد من كون الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون (٥) ، أو بما ورد من أنّ آل فرعون يعرضون على
__________________
(١) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢١٨.
(٢) سورة الكهف : الآية ٣٩.
(٣) سورة سبأ : الآية ١٥.
(٤) سورة المؤمنين : الآيتان ١٠ و ١١.
(٥) سورة آل عمران : الآية ١٦٩.