الوجه الثالث : إنّ الله تعالى رغّب المكلّفين بالجنّة ، ورهّبهم بالنار ، فكيف يصح الترغيب بجنة لم يخلقها ، والترهيب بنار لم يخلقها (١).
وهذا الوجه ضعيف جدا ، لأنّ الجنّة الموصوفة ، لمّا كانت مقدورة له تعالى ، ومثلها النار ، صحّ الترغيب والترهيب ، كما رغب المكلفين في ثواب لم يوجد بعد ، لأنّ وعده صادق وأمره واقع (٢).
نعم ، هناك روايات لا يمكن العدول عنها ، لتضافرها روى الصدوق في الأمالي والتوحيد عن الهروي ، قال : قلت : للرضا عليهالسلام : يا بن رسول الله ، أخبرني عن الجنّة والنار أهما اليوم مخلوقتان؟ فقال : نعم ، وإنّ رسول الله قد دخل الجنة ورأى النار ، لما عرج به إلى السماء. قال : فقلت له : فإنّ قوما يقولون إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين. فقال عليهالسلام : ما أولئك منّا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار ، فقد كذّب النبي صلىاللهعليهوآله وكذّبنا(٣).
أدلة النافين لخلقهما
استدل النافون لخلقهما بوجوه :
١ ـ إنّ خلق الجنة والنار قبل يوم الجزاء ، عبث ، لا يليق بالحكيم تعالى.
٢ ـ إنّهما لو خلقتا لهلكتا ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤) واللازم باطل ، للإجماع على دوامهما ، وللنصوص الشاهدة بدوام أكل الجنة وظلّها.
٣ ـ إنّهما لو وجدتا الآن فإما في هذا العالم ، أو في عالم آخر ، وكلاهما باطل ، أمّا الأوّل فلأنه لا يتصور في أفلاكه ، لامتناع الخرق والالتئام عليها ،
__________________
(١) حقائق التأويل ، ص ٢٤٨.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) حق اليقين ، للسيد شبر ، ج ٢ ، ص ٢٠٤.
(٤) سورة القصص : الآية ٨٨.