ولامتناع حصول العنصريات فيها ، ولأنّها لا تسع جنّة عرضها كعرض السماء والأرض.
وأما الثاني ، بأن يكونا فوق محدد الجهات (١) ، فلأنّه يلزم أن يكون في اللامكان مكان ، وفي اللاجهة جهة (٢).
يلاحظ على الأول أنّ الحكم بالعبثية يتوقف على العلم القطعي بعدم ترتب غرض عليه ، ومن أين لنا بهذا العلم؟.
ويلاحظ على الثاني أنّه ليس المراد من (هالِكٌ) هو تحقق انعدامه وبطلان وجوده ، بل المراد أنّ كل شيء هالك في نفسه ، باطل في ذاته ، لا حقيقة له إلا ما كان عنده مما أفاضه الله عليه. والحقيقة الثابتة في الواقع التي ليست هالكة باطلة من الأشياء هي صفاته الكريمة ، وآياته الدالة عليها فيهما جميعها ثابتة بثبوت الذات المقدسة ، هذا بناء على كون المراد بالهالك في الآية ، الهالك بالفعل.
وأما إذا أريد من الهالك ما يستقبله الهلاك والفناء ، بناء على ما قيل من أنّ اسم الفاعل ظاهر في الاستقبال ، فهلاك الأشياء ليس بمعنى البطلان المطلق بعد الوجود ، بأن لا يبقى منها أثر ، فإنّ صريح كتاب الله ينفيه ، فإن آياته تدل على أنّ كل شيء مرجعه إلى الله وأنّه المنتهى وإليه الرجعى ، وهو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده.
وإنّما المراد بالهلاك على هذا الوجه ، تبدّل نشأة الوجود ، والرجوع إلى الله ، المعبر عنه بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة ، والتلبس بالعود بعد البدء ، وهذا إنما يشمل ما كان موجودا بوجود بدني دنيوي ، وأما نفس الدار الآخرة ، وما هو موجود بوجود أخروي كالجنة والنار ، فلا يتصف بالهلاك بهذا المعنى. قال سبحانه : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (٣).
__________________
(١) محدّد الجهات عبارة عن الفلك التاسع ، وهو الفلك الأطلس الذي كان يعتقد به بطلميوس ويقول ليس فوقه خلاء ولا ملاء.
(٢) لاحظ هذه الوجوه الثلاثة في شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢١٩.
(٣) سورة النحل : الآية ٩٦.