رحلة الشتاء ورحلة الصيف ، فوضعها الله عنكم بنا ، منّة عليكم» (١).
نعم ، الرزية كل الرزية تقية المسلم من المسلم ، وخوف الأخ من أخيه ، ولو لا الظلم الذي أوردته طائفة منهم على الأخرى ، لما احتاجت إلى التقية ، فلا ذنب للشيعة حينئذ. ولو سادت الحرية في العالم الإسلامي على الطوائف الإسلامية كلها ، لما كان هناك وجه لتقية الأخ من الأخ ، ولكن للأسف إنّ السلطة رأت أنّ مصالحها لا تقوم إلا بالضغط على الشيعة ليتركوا عقيدتهم وعملهم ويذوبوا في الطوائف الإسلامية الأخرى ، فما ذنب الشيعة عندئذ من أنّ تتّقي السلطة وجلاوزتها وتتظاهر على خلاف ما تعتقد لئلا يقتلوا أو يصلبوا ، أو تهتك أعراضهم أو تنهب أموالهم.
وكم شهدت أوساط الشيعة من مجازر عامة بيد السلطات الغاشمة ، فقتل الآلاف منهم بلا ذنب إلا اتّباعهم لأئمة أهل بيت نبي الإسلام ، واقتفائهم آثارهم. ونكتفي من ذلك بكلمة موجزة ـ لكي لا نخرج عن موضوع البحث ـ تصوّر جانبا من تلك الجرائم الفظيعة.
لم يفتأ شيخ الشيعة ، أبو جعفر الطوسي ، إمام عصره وعزيز مصره بغداد ، حتى ثارت القلاقل وحدثت الفتن بين الشيعة والسنة ، ولم تزل تنجم وتخبو بين الفينة والفينة ، حتى اتسع نطاقها بأمر طغرل بك أول القادة السلجوقيين ، فورد بغداد ، عام ٤٤٧ ، وشنّ على الشيعة حملة شعواء وأمر بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر ، وزير بهاء الدولة البويهي ، وكانت من دور العلم المهمة في بغداد ، بناها هذا الوزير في محلة بين السورين ، في الكرخ ، عام ٣٨١ ، على مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد. وكانت مهمة للغاية فقد جمع فيها هذا الوزير ما تفرّق من كتب فارس والعراق واستكتب تآليف أهل الهند والصين والروم ، ونافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار ، ومهام الأسفار ، وأكثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلّفين قال ابن الجوزي في حوادث سنة ٤٤٨ : «وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره» ، ثم قال في حوادث سنة ٤٤٩ : «وفي
__________________
(١) الغدير ، ج ١٠ ، ص ١٦٠ ـ ١٦١ لاحظ المصدر هناك.