صفر هذه السنة كبست دارة أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ ، وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي يجلس عليه للكلام ، وأخرج إلى الكرخ ، وأضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة ، وأحرق الجميع» (١).
هذا غيض من فيض ، ونزر من كثير ، حول اضطهاد الشيعة وقتلهم ، وهتك أعراضهم ، جئنا به ليقف القارئ على أنّ لجوء الشيعة إلى هذا الأصل لم يكن إلا لظروف قاسية مرت عليهم ، وهي بعد سائدة ، فما ذنب الشيعة إذا أرادوا صيانة أنفسهم وأعراضهم وأموالهم؟.
بالله عليكم أيّها الاخوان ، لو كنتم انتم مكان الشيعة ، وكنتم تواجهون هذه الأحداث المؤلمة ، هل كنتم تسلكون غير هذا المسلك ، وهل كنتم تضنون بالنفس والنفيس ، أو كنتم تهدون دماءكم وتهتكون أعراضكم وتبيدون أموالكم؟
أظن أنّ من يملك شيئا من العقل والإنصاف يحكم بالثاني ، إلا إذا كان هناك مصلحة أهم منها ، وتوقف إعلاء الحق وإبطال الباطل على التضحية ، وهو أمر آخر خارج عن الموضوع. وبعد هذا كله ، أفيصح أن يقال إنّ التقية نفاق؟ (٢).
* * *
__________________
(١) الحادثة مذكورة في أكثر الكتب التاريخية التي تعرضت لحوادث عامي ٤٤٧ و ٤٤٨ للهجرة. وقد ذكرها شيخنا الطهراني في مقدمة «التبيان» ، ص ٥.
(٢) نعم ، هنا بحث آخر وهو أنّه إذا عمل الشيعي على مقتضى التقية ، كما إذا غسل رجليه مكان مسحهما أو سجد على غير ما يصح عليه السجود ، كالسجاجيد ، فكيف يحكم بصحة عمله مع أنّه لم يمتثل ما على ذمته. وهذه مسألة فقهية ، لها بحثها ، وإجمال الجواب أنّ أدلة التقية حاكمة على الأدلة الواقعية ، موسعة لها في ظروفها كالتيمم في مواقع فقد الماء ، فإجزاؤهما من باب واحد ، والتفصيل يطلب من محله.