محاصرة حال وفاة النبي من جهتي الشمال والشرق ، بأكبر امبراطوريتين عرفهما تاريخ تلك الفترة ، وكانتا على جانب كبير من القوة والبأس ، وهما الروم وإيران ؛ هذا من الخارج.
وأمّا من الداخل ، فقد كان الإسلام والمسلمون يعانون من وطأة مؤامرات المنافقين الذين كانوا يشكّلون جبهة عدوانية داخلية ، أشبه بما يسمّى بالطابور الخامس.
ويكفي في خطورة إمبراطورية إيران أنّه كتب ملكها إلى عامله باليمن ـ بعد ما وصلت إليه رسالة النبي تدعوه إلى الإسلام والتسليم ، ومزّقها ـ : «ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز ، رجلين من عندك ، جلدين ، فليأتياني به» (١).
وكفى في خطورة موقف الإمبراطورية البيزنطية ، أنّه وقعت اشتباكات عديدة بينها وبين المسلمين في السنة الثامنة للهجرة ، منها غزوة مؤتة التي قتل فيها قادة الجيش الإسلامي وهم جعفر بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحه ، ورجع الجيش الإسلامي من تلك الواقعة منهزما ، وقد أثارت هزيمتهم في هذه المعركة ، واستشهاد القادة الثلاثة ، نقمة شديدة في نفوس المسلمين تجاه الروم ، ولأجل ذلك توجّه الرسول الأكرم بنفسه على رأس الجيش الإسلامي إلى تبوك في السنة التاسعة لمقابلة الجيوش البيزنطية ولكنه لم يلق أحدا ، فأقام في تبوك أياما ثم رجع إلى المدينة ، ولم يكتف بهذا بل جهّز جيشا في أخريات أيّامه بقيادة أسامة بن زيد ، لمواجهة جيوش الروم.
وأمّا خطر المنافقين ، فحدّث عنه ولا حرج ، هؤلاء أسلموا بألسنتهم دون قلوبهم ، وأضمروا للمسلمين كلّ سوء ، وكانوا يتحينون الفرص لإضعاف الدولة الإسلامية ، بإثارة الفتن الداخلية ، كما كانوا يتربصون الدوائر لاغتيال النبي وقتله (٢).
__________________
(١) الكامل ، للجزري ، ج ٢ ، ص ١٤٥.
(٢) لاحظ التفاسير ، في تفسير قوله سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) ـ