ولقد انبرى القرآن الكريم لفضح المنافقين والتشهير بخططهم ضدّ الدين والنبي ، في العديد من السور القرآنية مثل البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنفال ، والتوبة ، والعنكبوت ، والأحزاب ، ومحمد ، والفتح ، والمجادلة ، والحديد ، والحشر ، وقد نزلت في حقّهم سورة خاصة باسم المنافقين.
إنّ اهتمام القرآن بالتعرّض للمنافقين المعاصرين للنبي ، المتواجدين بين الصحابة ، أدلّ دليل على أنّهم كانوا قوّة كبيرة ويشكون جماعة وافرة ، ويلعبون دورا خبيثا ، خطيرا في تعكير الصف ، وإفساح المجال لأعداء الإسلام ، بحيث لو لا قيادة النبي الحكيمة ، لقضوا على كيان الدين ، وأطاحوا بصرحه.
ويكفي في ذلك قوله سبحانه : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (١).
وقد كان محتملا ومترقّبا أن يتحد هذا المثلث الخطير (الفرس ، الروم ، المنافقون) ، لاكتساح الإسلام واجتثاث جذوره ، بعد وفاة النبي.
فمع هذا الخطر المحيق الداهم ، ما هي وظيفة القائد الحكيم الذي أرسى قواعد دينه على تضحيات عظيمة ، فهل المصلحة كانت تقتضي تنصيب قائد حكيم عارف بأحكام القيادة ووظائفها حتى يجتمع المسلمون تحت رايته ، ويكونوا صفا واحدا في مقابل ذاك الخطر ، أو أنّ المصلحة العامة تقتضي تفويض الأمر إلى الأمّة ، حتى يختاروا لأنّفسهم أميرا ، مع أنّ من المعلوم أن ترك الأمر إلى الأمّة في ذلك الوقت الحرج ، يلازم الشغب والاختلاف والتنافس الذي لم يكن لصالح الإسلام والمسلمين ، في الوقت الذي يعانون فيه من وفاة النبي؟.
فاقض ما أنت قاض.
__________________
ـ (سورة التوبة : الآية ٦٥) ، وكان المنافقون قد حاولوا اغتيال النبي الأكرم في العقبة ، عند عودته من تبوك.
(١) سورة التوبة : الآية ٤٨.