محمد حي ، قوموا ودافعوا عن دينه» (١) وفي هذا نزل قوله سبحانه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٢).
ويقول سبحانه في شأن من ذهبوا يفتشون عن ملجأ لهم فرارا من الموت : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ، يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ ، يَقُولُونَ : هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) (٣).
ولم تكن واقعة أحد وحيدة في نسجها ، بل كانت غزوة حنين على منوالها في التقهقر والفرار عن ساحة الحرب ، يقول ابن هشام عن جابر :
استقبلنا وادي حنين ، وانحدرنا في واد من أودية تهامة ، وكان العدو قد سبقونا إلى الوادي وكمنوا لنا في شعابه واحنائه ، ومضائقه ، وقد شدّوا علينا شدّة رجل واحد ، وانهزم الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد. وانحاز رسول الله ذات اليمين وهو يقول : أين ، أيها الناس؟ هلموا إليّ ، أنا رسول الله. فانطلق الناس ، إلّا أنّه بقي مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار ، فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب : «لا تنتهي هزيمتهم دون البحر» ، وإنّ الأزلام لمعه في كنانته. وصرخ جبلة بن الحنبل : «ألا لبطل السّحر» (٤).
وغير ذلك من الأحداث والوقائع التي كشفت عن عدم تغلغل الإيمان والعقيدة في قلوب الأكثرية منهم.
نعم كان بينهم رجال صالحون ، يضحون في سبيل العقيدة ، بأنفس النفائس ، وأثمن الأموال ، غير أنّ البحث مركز على دراسة وضع المجتمع
__________________
(١) سيرة ابن هشام : ج ٢ ، ص ٨٣.
(٢) سورة آل عمران : الآية ١٤٤.
(٣) سورة آل عمران : الآية ١٥٤.
(٤) سيرة ابن هشام : ج ٢ ، ص ٤٤٨.