الإسلامي ككل ، لا من حيث اشتماله على أفراد لا يدرك شأوهم في الفضيلة والصلاح.
ولعلّ الباحث يتخيل أنّهم انقلبوا بعد رحلة الرسول إلى مجتمع ديني لا يتخطون سبيل الدين قيد أنملة ، ولكن ما ورد في الصحاح والمسانيد من ارتداد أمّة كبيرة من الصحابة ، يؤيّد ما ذكرناه من عدم رسوخ العقيدة والإيمان في قلوبهم ، ولا مجال لذكر جميع الروايات ، إنّما نكتفي بواحدة منها ونحيل البقية إلى الباحث الكريم :
روى البخاري في تفسير قوله سبحانه : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) (١) قال : خطب رسول الله فقال : ألا وإنّه يجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فيقال إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ما فارقتهم (٢).
إنّ دراسة هذه الأمور الثلاثة ، يرشدنا إلى أنّ القائد الحكيم ، الذي مرّت عليه هذه الأوضاع والأحوال وعاينها عن كثب ، عليه أن يستخلف قائدا للأمّة لما في هذا التنصيب من مصلحة ، وقطع لدابر الاختلاف ، وجمع لشمل الأمّة. وهذا بخلاف ما لو ترك الأمر إلى المسلمين أنفسهم ، ففيه من الأخطار ما صوّرناه.
إنّ القائد الحكيم هو من يعتني بالأوضاع الاجتماعية لأمّته ، ويلاحظ
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ١١٧.
(٢) صحيح البخاري ، ج ٣ ، ص ٨٥. وصحيح مسلم ، كتاب الجنة ونعيمها ، ومسند الإمام أحمد ، ج ١ ، ص ٢٣٥.
إنّ الروايات الدالّة على ارتداد الصحابة بعد رحلة النبي الأكرم ، كثيرة جدا ، لا يمكن حملها على نفر أو اثنين منهم ، بل لا يصحّ في تفسيرها إلّا حملها على أمة كبيرة منهم ، فلاحظ ما ورد في هذا المجال : جامع الأصول لابن الأثير ، ج ١١ ، كتاب الحوض ، الفرع الثاني في ورود الناس عليه ، الأحاديث ٧٩٦٩ ـ ٧٩٨٠.