أن يرزق ولدا ، بشهادة نزول الملائكة عليه (١). بل المراد هو الإمامة المتمثلة في الحاكمية والقيادة ، فدعا إبراهيم أن يجعل الله تعالى هذا المقام في ذرّيته ، على النحو الذي جعله فيه (بالتنصيب) ، ولم يردّه سبحانه ، وما أنكره عليه ، بل أخبره بأنها لا تنال الظالمين منهم.
قال سبحانه ـ حاكيا عن موسى عليهالسلام ـ : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي) (٢). فطلب موسى عليهالسلام أن يكون أخاه هارون مساعدا ومعينا له في القيادة ، فقبله سبحانه ، وأعطاه مضافا إلى الوزارة ، النبوة. ويؤيّد ذلك تاريخ الأنبياء ، فقد كانوا ينصّون على الخلفاء من بعدهم بصورة الوصاية ، وقد ذكر المؤرخون قائمة أوصيائهم ، فراجع (٣).
هذه هي الطريقة المألوفة في الشرائع السابقة ، ولا دليل على الانحراف عنها ، ولا صارف عن الأخذ بها ، بل نجد في السنّة ما يدلّ على أنّ كل ما جرى على الأمم السابقة ، يجري على هذه الأمّة إلّا ما استثني (٤).
ويدلّ على ذلك بصراحة لا تقبل جدلا ، ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال :
«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنّه لا نبي بعدي ، وسيكون بعدي خلفاء يكثرون» (٥).
وظاهر الحديث أنّ استخلاف الخلفاء في الأمّة الإسلامية ، كاستخلاف
__________________
(١) لاحظ سورة الحجر : الآيات ٥١ ـ ٦٠.
(٢) سورة طه : الآيتان ٢٩ و ٣٠.
(٣) لاحظ إثبات الوصية ، للمسعودي ، مؤلّف مروج الذهب (م ٣٤٥).
(٤) روى أحمد في مسنده ، ج ٣ ، ص ٨٤ ، عن أبي سعيد الخدري ، أنّ رسول الله (ص) قال : «لتتّبعنّ سنن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم». ورواه غيره من أصحاب الصحاح والسنن.
(٥) جامع الأصول لابن أثير الجزري ، الفصل الثاني ، فيمن تصح إمامته وإمارته ، ص ٤٤٣ ، أخرجه البخاري ومسلم.