الأنبياء في الأمم السالفة ، ومن المعلوم أنّ الاستخلاف كان هناك بالتنصيص ، فيجب أن يكون هنا بالتنصيص كذلك.
* * *
إذا تعرفت على هذه الأمور الاثني عشر ، فاعلم أنّ هذه المقدمات تعرب عن كون صيغة الحكومة بعد النبي هي صيغة التنصيص ، والتنصيب ، لا غير ، لا بالطرق التي تقدمت عند البحث عمّا تنعقد به الإمامة عند أهل السنّة ، وإليك البيان :
١ ـ قد عرفت أنّ رحلة النبي الأكرم تترك فراغات هائلة في الأمّة ، لا مناص عن سدّها بواحد من أبناء الأمّة ، وأنّ هذه الفراغات لا تسدّ بفرد عادي ، له من المؤهلات والكفاءات العلمية ، ما لا يتجاوز عن حدود ما لغيره من أفراد الأمّة ، بل يجب أن يكون له كفاءة وصلاحية توازن كفاءات النبي ومؤهلاته ، ويكون مستودعا لعلوم النبي ، واقعا تحت عناية الله تبارك وتعالى وكفالته.
ومن المعلوم أنّ التعرّف على هذا الفرد ليس ميسّرا من طريق الانتخاب بالشورى أو بالبيعة ، بل يعرف بتعيين من الله سبحانه عن طريق النبي الأكرم ، نظير أوصياء سائر الأنبياء.
٢ ـ كما عرفت أنّ الدولة الإسلامية الفتية كانت مهددة في أخريات أيام النبي ، حال وفاته ، بأعداء داخليين وخارجيين. أمّا الداخليون ، فهم المنافقون الذين كانوا يتربصون بها الدوائر ، وأمّا الخارجيون ، فدولتا الروم والفرس ، فمقتضى المصلحة العامة في تلك الظروف الحرجة ، تعيين الإمام والخليفة بعده ، لئلا تترك الدولة بعد وفاته عرضة للاختلاف ، وبالتالي تمكّن أعدائها منها ، خصوصا إذا لاحظنا أنّ حياة العرب حينذاك في عاصمة الإسلام وخارجها ، كانت حياة قبلية ، والتعصبات العشائرية لا تزال متغلغلة في نفوسهم ، وترك الأمر إلى مجتمع هذا حالة ، يؤدّي إلى التشاغب والاختلاف وبالتالي إلى القتل والدمار.
أضف إلى ذلك أنّ الوعي الديني لم يكن راسخا في قلوب أكثر الصحابة ، وإن كان القليل منهم قد بلغ القمة ، وصاروا مثلا عليا للفضل والفضيلة ، وقد