[قولهم (١) : القرآن] لا يدل على صدق الرسول لجواز أن يكون قد نقله عن غيره بعد تحفظه ، ولم يظهر إلا عنه.
قلنا : هذا ممتنع لأن القرآن من أوله إلى آخره مشتمل على ذكر وقائع وأحوال جرت له ، ولصحابته معه ، ووقعت على وفق ما أخبر به : إما قبل خبره ، أو بعده ، وذلك كما روى أن بعض الصّحابة قال فى يوم حنين : لن نغلب اليوم عن قلة ، وأن الناس توقفوا عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى ذلك اليوم ، وبقى معه نفر يسير فانزل قوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ٢٥ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) على وفق الواقع.
ومن ذلك ما روى أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أسرّ إلى بعض زوجاته حديثا فأظهرت عليه صاحبة لها فنزل قوله تعالى : ـ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) (٣) الآية.
ومن ذلك ما نزل من القرآن فى قصة براءة عائشة (٤) ، وقصة زوجة زيد (٥) وذم أبى لهب (٦) ، وقصته عليه ـ الصلاة والسلام ـ مع أبى بكر فى الغار (٧) ، والآيات الواردة فى يوم بدر (٨) ، وأحد (٩) إلى غير ذلك من / الوقائع الكثيرة.
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٢٥ ، ٢٦.
(٣) سورة التحريم : ٦٦ / ٣.
(٤) المقصود به ما نزل فى سورة النور من أول قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من الآية رقم ١١ من سورة النور إلى الآية رقم ٢٣ (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
(٥) المقصود به ما نزل فى قصة زيد بن حارثة رضي الله عنه وزواجه من السيدة زينب بنت جحش ـ رضى الله عنها ـ ، وطلاقها منه ، وتزوجها من رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أول قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) من الآية رقم ٣٧ من سورة الأحزاب إلى الآية رقم ٤٠ (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
(٦) المقصود به ما نزل فى سورة المسد (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) ... إلخ السورة.
(٧) المقصود به قوله تعالى فى سورة التوبة الآية رقم ٤٠ : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ...) إلخ الآية.
(٨) منها قوله تعالى فى سورة الأنفال من الآية رقم ٥ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ...) ... إلخ.
(٩) منها قوله تعالى فى سورة آل عمران من الآية ١٣٩ (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).