قولهم : القرآن مشتمل على الاختلاف وهو مناقض لقوله ـ تعالى : ـ (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).
قلنا : لا نسلم اشتمال القرآن على الاختلاف المنفى بمفهوم الآية ، فإن المراد من قوله (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٢) أحد أمرين :
الأول : الاختلاف المناقض للبلاغة ، ومتانة اللفظ ، والنظم الغريب كما هو الجارى من عادة كل من ألف كتابا مطولا ، ونظم قصيدة ، ورتب خطبة.
الثانى : اختلاف أهل الكتاب فيما أخبر عنه من قصص الماضين / وسير الأولين مع أمّيته ، وعدم دراسته للعلوم ، ومطالعته للكتب. ولا يخفى أنه لم يوجد فى القرآن شيء من هذه الاختلافات ، وقوله ـ تعالى : ـ (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (٣). وقوله ـ تعالى : ـ (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٤) فالمراد بالكتاب ليس هو القرآن ؛ بل اللّوح المحفوظ وهو كذلك.
قولهم : إنّه مشتمل على اللّحن ، لا نسلم ذلك ، وقوله ـ تعالى : ـ (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٥) وإن كان موافقا لكتابة المصحف غير أن القرّاء قد اختلفوا فيه ، فقرأ أبو عمرو (٦) ، وغيره «إن هذين لساحران» بتشديد أنّ ونصب هذين ، وخالف فى ذلك كتابة المصحف ، وزعم أنّ ذلك من غلط الكاتب محتجا على جواز ذلك بقول عثمان : إنّ فيه لحنا وأن العرب لتقيمه بألسنتها.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٨٢.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٨٢.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٣٨.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٥٩.
(٥) سورة طه : ٢٠ / ٦٣.
(٦) أبو عمرو : زبان بن عمار التميمى المازنى البصرى : كان من أعلم الناس بالقراءة مع صدق وأمانة وثقة فى الدين.
روى عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن أبى بن كعب عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من أئمة اللغة والأدب وأحد القراء السبعة ، ولد بمكة سنة ٧٠ ه. ونشأ بالبصرة ، ومات بالكوفة سنة ١٥٤ ه قال الفرزدق :
ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها |
|
حتى أتيت أبا عمرو ابن عمار |
قال أبو عبيدة عنه : كان أعلم الناس بالعربية والقرآن والشعر ، له أخبار وكلمات مأثورة وللصولى كتاب : «أخبار أبي عمرو بن العلاء»
(وفيات الأعيان لابن خلكان ١ / ٣٨٦. الأعلام للزركلى ٣ / ٤١).