قولهم : إنّه لا ضابط للكثرة الغير معتادة ، ممنوع ، فإنّ ضابطها ما يعدّه أهل العرف كثيرا ، ولا يخفى أن ما ورد من أخبار الغيب فى القرآن مما يعد فى نظر أهل العرف كثرة لا يعتاد الإصابة فيها لجملتها.
قولهم فى الثانى : أنه يلزم من ذلك أن تكون أخبار المنجمين والكهنة عن الغيوب مع كثرة إصابتهم معجزا.
قلنا : أما أخبار المنجمين فما كان منها كاذبا مضطربا. فلا احتجاج به ، وما كان منها ما تكرر الإصابة فيه : كالحكم بالخسوف والكسوف وغير ذلك فهو من باب الحساب المعتاد لآحاد من يتعاطى حساب صناعة التنجيم فى كل عصر ومصر. ولا كذلك ما ذكرناه من اخبار القرآن عن الغيوب.
وأما أخبار الكهنة عن الغيوب : فالقول فيها كما فى السحر ، وقد عرف ما فيه فى الأصل الثالث (١).
قولهم فى الوجه الثالث : يلزم من ذلك أن يكون ما فى التوراة (٢) والإنجيل (٣) من الأخبار عن الغيب معجزا إذا كان ذلك كثيرا خارقا للعادة ، ووقع التحدى به ؛ فهو أيضا آية صدق من أتى به.
قولهم : يلزم من ذلك أن لا يكون ما خلا من سور القرآن عن الاخبار بالغيب معجزا دالا على صدق الرسول.
قلنا : من قال من المتكلمين إن جهة الإعجاز فى القرآن الإخبار بالغيب دون ما عداه ، فما لا يكون مشتملا عليه من سور القرآن نقول أنه ليس بمعجز.
قولهم : على من قال بأن وجه الإعجاز فى القرآن إنّما هو عدم تناقضه ، واختلافه ، مع طوله ، وامتداده أن القرآن مشتمل على التناقض ممنوع. وقوله ـ تعالى : ـ (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) (٤) لا نسلم مناقضته. وما ذكروه من اشتمال القرآن على الشعر ؛ فقد سبق جوابه (٥).
__________________
(١) راجع ما مر ل ١٣٦ / ب وما بعدها.
(٢) التوراة : الكتاب الّذي أنزل على موسى عليهالسلام.
(٣) الإنجيل : الكتاب الّذي أنزل على عيسى عليهالسلام.
(٤) سورة يس : ٣٦ / ٦٩.
(٥) راجع ما مر ل ١٦١ / أوما بعدها.