قولهم : يحتمل أنهم تركوا المعارضة غفلة ، وذهولا. فالعادة تحيل ذلك مع معرفتهم بتحديه عليهم ، وتعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن ، ودومة الاستيلاء والاحتكام عليهم بتقدير عجزهم ، وبتقدير الذهول والغفلة ، فالعادة تحيل ذلك على الكل مع كثرة بلغاء العرب ، وفصحائهم. وبتقدير التعميم ؛ فالعادة أيضا تحيل استمرار ذلك مدة تناهز عشرين سنة.
قولهم : وإن كان القرآن خارقا للعادة. إلا أنه يجب أن يكون الدال على صدق الرسول من قبيل ما يحفظ وينقل ؛ لما ذكروه ؛ فقد سبق جوابه فيما تقدم.
وأما الرد على العنانية (١) فيما نقلوه ، وإبطالهم فيما تخرصوه فهو أنهم مع عجزهم عن صحة السند مختلفون فى نفس متن الحديث.
فإن منهم من قال : الحديث هو قوله : «إن اطعتمونى لما أمرتكم به ، ونهيتكم عنه ثبت ملككم كما يثبت السماوات والأرض» وليس فى ذلك ما يدل على إحالة النسخ ، ودوام الملك بدوام السماوات والارض.
وإن سلم أن فى لفظه ما يدل على إحالة النسخ غير أنه مشروط بطاعته ، والائتمار بمأموراته والانتهاء عن منهياته ، وذلك مما لم يتحقق فى حقهم بعده ، ولو كانوا بعده على ما وصف لدام ملكهم. ولم يدم.
وإن سلّمنا أن المنقول قوله : «هذه الشريعة لازمة لكم دائمة عليكم». فما المانع أن يكون ذلك مشروطا بعدم ظهور نبى آخر ، ويكون هو المراد باللفظ ، ومع تصور هذا الاحتمال فيمتنع الجزم / بإحالة النسخ.
وأما استبعاد الشمعنية (٢) لجواز وقوع النسخ عقلا : فبعيد عن مذاق العقل ، كما يأتى.
قولهم : / / أنه يلزم من ذلك أن يكون الشيء الواحد حسنا قبيحا ، طاعة معصية ، مصلحة مفسدة ، مرادا غير مراد ، فقد أومأنا إلى إبطال ذلك فى التعديل والتجوير (٣).
__________________
(١) راجع عنهم ما مر فى هامش ل ١٤٦ / ب.
(٢) راجع عنهم ما سبق فى هامش ل ١٤٦ / ب.
/ / أول ٩٢ / أ.
(٣) انظر ما سبق فى الجزء الأول ل ١٧٥ / أوما بعدها.