قولهم : من الجائز أن يكون قد تأتى ذلك للنبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى مدة مديدة لا يتأتى لأبلغ بليغ الإتيان بمثله فى دونها.
قلنا : عنه جوابان :
الأول : أنّه لو كان كما ذكروه فيعلم أنه قد مضى على العرب من وقت بعثة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتحديه بالقرآن إلى حين وفاته ما يناهز عشرين سنة ، وهذه المدة وإن تعذر على البليغ الاتيان بمثل جملة القرآن فيها ؛ فلا يمتنع أن يأتى فيها بمثل عشر سور منه أو بسورة من سوره ، مع تحديه عليهم بمثل ذلك.
قولهم : يحتمل أنهم لم يأتوا بذلك لعدم اصطبارهم على مكابدة ما يلزم من معاناته من المشقة.
قلنا : هذا خلاف المعلوم من العادة ؛ فلا يقدح فيه.
الثانى : أنه لو كان كما ذكروه ؛ لكان ذلك أبلغ حجة للعرب فى إبطال تحديه. وقالوا : أنت / قد أتيت به فى مدة لا يتسع للبليغ أن يأتى بمثله فيما دونها ، فأمهل علينا مثل تلك المدة ؛ لنعارضك بمثله ، ولا يخفى ما فيه من إفحامه إلى تمام تلك المدة وإبطال حجته فيها ؛ ولم ينقل عنهم شيء من ذلك.
قولهم : إنّما لم يعارضوه ، لأنهم ما كانوا عالمين بما يشتمل عليه القرآن من سير الأولين ، والمسائل الإلهية النظرية ؛ ليس كذلك ، فإن أكثر العرب كانوا يهودا ، ونصارى. وما كانوا جاهلين بهذه الأمور. وبتقدير أن يكونوا جاهلين بذلك ، فتحديه عليهم بالقرآن مع عدم إتيانهم بمثله يدل على عجزهم عنه ، وإلا فلو كانوا قادرين على ذلك لاستحال بالنظر إلى العادة ألا يعارضوه كما سبق.
قولهم : إنما طلب منهم الإتيان بمثله من عند الله ـ تعالى ـ ليس كذلك ، فإن آيات التحدى على ما عرف لم يتعرض فيها لشيء من ذلك ، وبتقدير أن يكون المطلوب منهم أن يأتوا بمثل القرآن من عند الله ـ تعالى ـ فلو كانوا قادرين على الإتيان بمثله ؛ لأمكن أن يدّعوا أنه من عند الله كدعواه أن ما أتى به من عند الله ـ تعالى.