ووجه الاحتجاج بالآية : أن المراد من قوله ـ تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم ـ عليهالسلام ـ ومن قوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) حواء ، والضمير فى قوله (جَعَلا) عائد إلى آدم وحواء ، لأنه لم يسبق ما يعود إليه ضمير التثنية غيرهما ، وقوله (لَهُ شُرَكاءَ) عائد إلى الله ـ تعالى ـ وذلك يدلّ على وقوع المعصية من آدم ، وهو إما أن يكون فى حالة النبوة أو قبلها. وعلى كل تقدير ؛ فهو خلاف مذهب الشيعة.
فإن قيل : أنتم وإن جوزتم الشرك على الأنبياء عقلا. فالإجماع منعقد منا ومنكم على امتناع ذلك فى حقهم سمعا.
وعند ذلك : فلا بد من التأويل ولنا فيه وجوه : ـ
الوجه الأول فى التأويل :
أن الضمير فى قوله ـ تعالى ـ (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) غير عائد إلى آدم وحواء ؛ بل إلى الذكور والإناث من الكفار من ذريتهما. ويكون تقدير الكلام «فلما أتى الله آدم وحواء الوالد الصالح الّذي طلباه من الله عزوجل فى دعائهما ؛ جعل كفار أولادهما ذلك مضافا إلى غير الله تعالى». ويدل على صحة هذا التأويل قوله ـ تعالى ـ (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فإنه يشعر بأن المراد بالتثنية فى قوله ـ تعالى ـ (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) إنما هو الجمع من الجنسين ، من أولاد آدم وحواء.
فلئن قلتم : إذا كان الضمير فى قوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا تَغَشَّاها) وفى قوله ـ تعالى ـ (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). وفى قوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) عائد إلى آدم وحواء ، وجب أن يكون الضمير فى قوله ـ تعالى ـ : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) عائد إلى آدم وحواء ؛ حتى لا يكون الكلام مضطربا مختلفا.
وإن سلمنا : جواز الاختلاف فى عود الضمير فى الكلام ، غير أن شرط الضمير أن يعود إلى مذكور ، والمذكور إنما هو / / آدم وحواء دون أولادهما.
قلنا : أما الأول : فهو غير ممتنع ؛ لأن الفصيح المصقع قد ينتقل من خطاب إلى غيره ، ومن كتابة إلى خلافها ، ومنه قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ٨ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (١) ثم قال ـ تعالى ـ (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) يعنى الرسول ـ عليهالسلام ـ ثم
__________________
/ / أول ل ٩٥ / أمن النسخة ب.
(١) سورة الفتح ٤٨ / ٨ ، ٩.