نفسه ، لو قمت وأخذت هذا الطائر ، فأريته للناس كان آية ، فقام إليه ؛ فجعل يطير إلى أن وقع فى الكوة ؛ فأهوى إليه فى الكوة. فإذا بامرأة تغتسل ؛ فلما رآها نسى صلاته ، وقراءته. وجعل يطيل النظر إليها. فلما رأته تورات منه بشعرها ؛ فزاده ذلك إعجابا بها. ونظره إليها مع الإطالة معصية لا محالة.
ثم إنه عرض لها فى نفسه. فقالت له : زوجى غائب ، وأنت الملك ، والنبي ، وما أدرى ما أقول لك. وكانت امرأة أوريا (١) بن حنان فاستدعاه من غيبته. ثم إنه قدمه على بعض الجيوش ؛ لمنازلة بعض الحصون ؛ بقصد قتله ، فرمى من الحصن بحجر ؛ فقتله فتزوج بامرأته. ولا يخفى أن قصده لذلك معصية. فأرسل الله ـ تعالى له ملكين فى صورة خصمين ؛ ليبكتاه على خطيئته ، وذلك قوله ـ تعالى ـ :
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) إلى قوله لقد (ظَلَمَكَ بِسُؤالِ / نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ).
وقد قيل : إنه أخطأ أيضا فى المبادرة إلى قوله (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) ، قبل سماع كلام الخصم الآخر.
ثم إنه لما قضى بينهما ، نظر أحدهما إلى الآخر وضحك ، ثم صعدا إلى السماء ، وهو يراهما ؛ فعلم داود ذنبه ، وما صنع ؛ فخر ساجدا يبكى ، ويتضرع إلى أن نبت الشجر حول رأسه من دموعه ، ولم يرفع رأسه حتى جاءه ملك ، فأمره برفع رأسه ، وقال له : إن الله ـ تعالى ـ قد غفر لك ذنبك ، وذلك قوله ـ تعالى ـ (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (٢).
__________________
(١) امرأة أوريا بن حنان اسمها سابغ ، وسنرى فيما يلى أن بنى إسرائيل يصورون اتصال داود عليهالسلام ـ بسابغ فى صورة الزنا. ولكن الإسلام الّذي يسمو بالأنبياء صور المسألة فى صورة تبعدها عن الكبائر ، ولم يرها إلا هفوة استحقت العتاب من الله لنبيه ومصطفاه ، وبعد الاستغفار والركوع غفر الله له وقال سبحانه وتعالى : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ).
أما ما ورد فى كتاب اليهود المقدس فيصورها فى صورة موغلة فى القسوة ، وبعيدة عن العفة (انظر : صموئيل الثانى : الاصحاح الحادى عشر ص ٤٩٨ ، ٤٩٩. الكتاب المقدس ج ١ ـ دار الكتاب المقدس فى الشرق الأوسط ـ وانظر شرح المواقف السادس د. أحمد المهدى ص ١٤٦ ـ ١٤٨. ففيه رد على ما قاله اليهود ومن تأثر بآرائهم من المفسرين.
(٢) سورة ص ٣٨ / ٢٤ ، ٢٥.