فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (١).
ووجه الاحتجاج بالآتية : ما روى المفسرون أن سليمان (٢) ـ عليهالسلام ـ صلى الأولى ، ثم جلس على كرسيه ، ليعرض عليه خيلا كان قد ورثها من أبيه ، ولم يزل على ذلك حتى غابت الشمس ، وفاتته صلاة العصر وذلك قوله : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِ) : أى بعد زوال الشمس (الصَّافِناتُ الْجِيادُ) الخيل ، وقوله : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) فمعنى قوله : أحببت : أى أنى قعدت مأخوذا من إحباب البعير : إذا برك ولصق بالأرض ومنه يقال أحب البعير وأحببت الناقة إذا بركت ، وكل من ترك شيئا يجب أن يفعله فلم يفعله يقال قعد عنه ، ومعنى قوله : (حُبَّ الْخَيْرِ) : أى من أجل
__________________
(١) سورة ص ٣٨ / ٣٠ ـ ٣٣ ولمزيد من البحث والدراسة انظر المراجع التالية تفسير الكشاف للزمخشرى ٣ / ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ، وتفسير الفخر الرازى ٢٦ / ٢٠٣ ـ ٢٠٧.
وتفسير القرطبى ٨ / ٥٦٣٦ ـ ٥٦٤٢ ، ومختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٢٠٢ ، ٢٠٣.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٤٨ ـ ١٥٠.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٤.
(٢) سليمان عليهالسلام : هو سليمان بن داود بن ايشا بن عويد ... من سبط (يهوذا بن يعقوب) وينتهى نسبه إلى إبراهيم الخليل عليهالسلام.
وقد ذكر فى القرآن الكريم فى ست عشرة آية فى (البقرة ، والنساء ، والأنعام ، والأنبياء ، والنمل ، وفى سورة (ص).
وقد رزقه الله النبوة والملك وجمع له بينهما ؛ كما جمعها لوالده داود عليهماالسلام وقد استجاب الله دعاءه وأعطاه ملكا عظيما لم يعط لأحد بعده قال تعالى : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ* فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ* وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) سورة ص.
أما الآيات الكريمة التى أوردها المصنف فى الحجة السادسة عشرة فبالإضافة إلى ما أورده المصنف ، وما أحلت عليه من كتب المفسرين فى الهامش السابق يتضح لنا أن سليمان عليهالسلام لم يعص كما قال من استشهد بهذه الآيات فقد بدأت بمدح سليمان عليهالسلام (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ). ولا يحسن عرفا الثناء على شخص ، ثم ذمه باضافة فعل المعصية والقبيح إليه.
وقد تحدث القرآن الكريم عن سليمان عليهالسلام ووصفه بأكرم الصفات وأعظم السجايا بينما صورته كتب اليهود المحرفة بأقبح الصفات. وبين أيدينا مجموعة كبيرة من المعلومات عن هذا العصر وردت فى الكتاب المقدس وفى كتابات المؤرخين. يذكرون :
أنه لما آل الملك إلى سليمان قتل جميع منافسيه ، ويذكر سفر الملوك أنه قتل أخاه أدونيا وقائد جيشه يؤاب كما قتل شمعى أحد كبار الرجال فى مملكة أبيه داود.
ويصفه غوستاف لوبون بقوله : وقد عاش سليمان حاكما شرقيا حقيقيا بكثرة آلهته وبدائرة حريمه المشتملة على مئات النساء وبثيابه الزاهية وبقصوره وحرسه الأجنبى.
كما ينسب الكتاب المقدس انحرافات دينية لسليمان (انظر الاصحاح الحادى عشر من سفر الملوك الأول) وقد عاش سليمان عليهالسلام ٥٢ سنة. ثم توفى عليهالسلام وكان أمر وفاته حديثا غريبا لم تعلم به الإنس ولا الجبن قال تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).
[قصص الأنبياء لابن كثير ص ٤٩٤ ـ ٥١٦ والنبوة والأنبياء ص ٢٨٢ ـ ٢٩٦ واليهودية ص ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٧٥ ـ ١٧٩].