حب الخير ، ولذلك نصب حب والمراد من «الخير» «الخيل» ، وقرأ ابن مسعود حب الخيل ، والمراد من قوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) : أى «الصلاة» وتقديره : أى قعدت عن الصلاة حبا للخيل ، وقوله (حَتَّى تَوارَتْ) / / بِالْحِجابِ أى الشمس على ما قاله المفسرون ، ولا يخفى أن ترك الصلاة معصية.
فإن قيل : لا نسلم إمكان عود الضمير فى قوله : (تَوارَتْ بِالْحِجابِ) إلى الشمس ؛ إذ هى غير مذكورة ؛ بل هو عائد إلى الخيل على ما قاله أبو مسلم (١) محمد بن بحر.
وإن سلمنا إمكان عوده إلى الشمس غير أن عوده إلى الخيل أولى. إذ هى مصرح بذكرها ، والشمس غير مصرح بذكرها ، وعود الضمير إلى المصرح به أولى ، ولأنها أقرب مذكور إلى الضمير من الشمس ، وعلى هذا لم يصح ما ذكرتموه.
سلمنا عود الضمير إلى الشمس ، ولكن لا يمتنع أن يكون قوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) غاية لعرض الخيل ، لا لفوات الصلاة.
وإن سلمنا أنه عائد لفوات الصلاة ، غير أنه قد ذكر أبو على الجبائى ، وغيره أن ذلك كان غاية لفوات عبادة نافلة كان قد تعبد بها سليمان بالعشى ، فنسيها ؛ لاشتغاله بالخيل ؛ فقال ما قال على سبيل الاغتمام بما فاته من الطاعة ، ولا يخفى أن ترك النافلة ليس بمعصية.
والّذي يدل على أنه لم يعص أمران : ـ
الأول : هو أن الله ـ تعالى ـ ابتدأ الآية بمدح سليمان ، والثناء عليه بقوله ـ تعالى ـ (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) : أى راجع بالطاعة إلى الله تعالى ، ولا يحسن عرفا الثناء على شخص ، ثم يعقبه من غير فاصلة بإضافة / فعل المعصية ، والقبيح إليه.
__________________
/ / أول ل ١٠٠ / أ.
(١) أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهانى ، من أهل أصفهان ، كان من الولاة ، معتزلى من كبار الكتاب كان عالما بالتفسير وله كتاب (جامع التأويل فى التفسير ، أربعة عشر مجلدا ؛ جمع سعيد الأنصارى الهندى نصوصا منه وردت فى (مفاتيح الغيب) المعروف بتفسير الفخر الرازى وسماها «ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل» ط فى مجلد صغير. ومن كتبه (الناسخ والمنسوخ).
ولد سنة ٢٥٤ وولى أصفهان وبلاد فارس للمقتدر العباسى ، واستمر إلى أن دخل ابن بويه أصفهان سنة ٣٢١ ه فعزل ثم توفى سنة ٣٢٢ ه. [إرشاد الأريب لياقوت الحموى ٦ / ٤٢٠ الأعلام للزركلى ٦ / ٥٠].