الثانى : أن قوله : (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ). إما أن يحمل المسح على أنه مسح أعرافها ، وأطرافها بيده محبة لها كما ذهب إليه مجاهد ، وإما أن يحمل على أنه عرفها ومسح أعناقها ، وسوقها بالسيف كما قاله قوم آخرون.
فإن كان الأول : دل على أن عرضها لم يكن سببا لمعصية أصلا ، وإلا كان مسحه لها ورأفته بها وأمره بعودها لذلك غير ملائم ؛ لكونها سببا للمعصية.
وإن كان الثانى : فهو ممتنع لوجهين :
الأول : ما قاله أبو مسلم من أنه لم يجر للسيف ذكر حتى يمكن إضافة المسح إليه ولأن العرب لا تسمى الضرب بالسيف مسحا.
الثانى : أنه يمتنع على نبى من أنبياء الله ـ تعالى ـ أن يعاقب الخيل ؛ لأنها شغلته عن الطاعة.
والجواب :
قولهم : لا نسلم إمكان عود الضمير فى قوله ـ تعالى ـ (تَوارَتْ بِالْحِجابِ) إلى الشمس ؛ إذ هى غير مذكورة.
قلنا : وإن لم يكن مصرحا بذكرها ، ففى الكلام ما يدل عليها ، وهو قوله (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِ) : أى بعد زوال الشمس ، والضمير كما يمكن عوده إلى المذكور ؛ فيمكن عوده إلى ما فى الكلام دلالة عليه ، كيف وإن ما ذكرناه مما اتفق عليه جميع الرواة الثقات من أهل التفسير ؛ فلا يكون معارضا بقول واحد لا يؤبه له.
قولهم : عود الضمير إلى الخيل أولى ؛ لما ذكروه من الوجهين.
قلنا : الترجيح بما يعود إلى الدلالات اللفظية ، لا يقع فى مقابلة النقل.
ولهذا فإنه لو كان اللفظ حقيقة فى معنى ، ومجازا فى معنى ، ونقل الناقل عن المتكلم بذلك اللفظ إرادة جهة المجاز ، فإنه يقدم على ما يقتضيه اللفظ من الحقيقة.
وقد بينا أن نقل الرواة المعتبرين من المفسرين مساعدا لما ذكرناه ، دون ما تفرد به أبو مسلم ؛ فكان أولى.