ذلك على طريق الاستعلام ، والاستفهام كقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١) ؛ بل إنما ذكروا ذلك ـ وإن كانت صورته صورة استفهام ـ على طريق الإثبات ؛ تصديقا لله ـ تعالى ـ فيما أخبرهم به. وذلك أن الله ـ تعالى ـ أخبرهم بأنه يجعل فى الأرض من يفسد فيها ، ويسفك الدماء ، فقالوا تصديقا له ـ تعالى ـ (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) (٢) ، والمراد به تجعل ، ويجوز فى لغة العرب أن يطلق ما لفظه لفظ الاستفهام ، والمراد به الإثبات. قال جرير :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
أى أنتم خير من ركب المطايا. وقد قال بعض أهل التفسير : إنما ذكروا ذلك على طريق التعجب عند أنفسهم من ذلك. وعلى كل تقدير فلا يكون ذلك منهم بطريق الإنكار.
وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكرتموه من الوجه الثانى ، والثالث أيضا.
وقولكم فى الوجه الرابع : إنهم ذكروا ذلك على طريق الترفع ، والتعجب ؛ ليس كذلك.
بل إنما ذكروه على طريق الإخبار بالانقياد لله ـ تعالى والطاعة ، والتعظيم لشأنه ، والتذلل بين يديه ، كما فى قول الواحد منا لغيره إذ أراد التذلل بين يديه ، أنا عبدك وخديمك وقائم بخدمتك.
وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وقوع الذنوب من الملائكة ؛ فهو معارض بما يدل على عدمه ، وبيانه من وجهين :
الأول : قوله ـ تعالى ـ فى صفة الملائكة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٣). ومن هذا صفته ؛ لا يتصور صدور الذنب منه ؛ لأنه فى حالة صدور الذنب منه ؛ يستدعى الفتور فى التسبيح ؛ وهو خلاف مدلول الآية.
__________________
(١) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٧.
(٢) سورة البقرة ٢ / ٣٠.
(٣) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٠.