/ الثانى : قوله ـ تعالى ـ فى صفتهم (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١). وقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢). وذلك يدل على عدم المعصية فى حقهم ؛ لأن المعصية : إما بمخالفة الأمر ، أو النهى.
لا جائز أن يقال إنها فى حقهم بمخالفة الأمر ؛ إذ هو خلاف النص.
ولا جائز أن يقال إنها بمخالفة النهى ؛ لأن النهى عن الشيء أمر بأحد أضداده ، ومخالفة النهى : إنما تكون بارتكاب المنهى عنه ، وارتكاب المنهى عنه يلزم منه أن لا يكون قد تلبس بضد من أضداد المنهى ؛ وفيه مخالفة الأمر ؛ وهو خلاف مدلول الآية.
والجواب :
قولهم : لا نسلم أن إبليس كان من الملائكة.
قلنا : / / دليله ما ذكرناه.
قولهم : إنه كان من الجن.
قلنا : ولا منافاة بين الأمرين. فإنه قد قال ابن عباس ، وهو ترجمان القرآن ، وغيره من المفسرين : أن إبليس كان من الملائكة من قبيل يقال لهم الجنة ؛ لأنهم كانوا خزان الجنان. ولا يخفى أن التوفيق بين النقلين ، وموافقة ما ذكرناه من الدلالة السمعية ؛ أولى مما ذكروه. وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٣). الآية عنه جوابان : ـ
الأول : لا نسلم صيغة العموم فى الملائكة.
والثانى : سلمنا العموم ، غير أنه قد ذكر أهل التفسير أن الجن ولد الجان ، وكان ساكنا فى الأرض قبل خلق الله ـ تعالى ـ لآدم ، وهم طائفة من سكان الأرض يعبر عنهم بالجن ، لاستتارهم ، وليس من قبيل الملائكة الذين هم خزان الجنان. وعلى هذا : فيجب حمل الآية على الجن الذين ليسوا من جنس الملائكة جمعا بين الأدلة.
__________________
(١) سورة النحل ١٦ / ٥٠.
(٢) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٧.
/ / أول ل ١٠٤ / ب.
(٣) سورة الأنعام ٦ / ٢٢.