معارض بقوله فى حق البشر (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (١). وقوله ـ عليهالسلام ـ حكاية عن ربه ـ تعالى ـ «أنا عند المنكسرة قلوبهم» (٢) ؛ بل أولى «حيث أنه دل على أن الرب ـ تعالى ـ عند المنكسرة قلوبهم ، وما ذكروه دليل على أن الملائكة عند الله ، ولا يخفى أن من الرب ـ تعالى ـ عنده ، يكون أفضل من الكائن عند الرب.
وما ذكروه : من الاستدلال بعدم استكبار الملائكة عن عبادة الله ـ تعالى ـ على عدم استكبار البشر عن عبادته ، فليس فى ذلك ما يدل على أن الملائكة عند الله أفضل ؛ بل وأمكن أن يكون ذلك ، لأنهم أشد ، وأقدر ، وأقوى من البشر ، ويكون معناه أنه إذا لم يكن مستكبرا عن عبادة الله تعالى. الملائكة مع شدتهم ، وقوة ممانعتهم / / فالبشر مع عجزهم وضعفهم أولى. وزيادة القوة ، أو القدرة للملائكة لا توجب لهم الفضيلة على الأنبياء ، وإلا كان الأيد القوى من أمة النبي الضعيف المدنف أفضل من ذلك النبي ؛ وهو محال.
قولهم : إن عبادات الملائكة أشق من عبادات البشر.
قلنا : لا نسلم ذلك.
قولهم : إنها مستمرة لا يلحقها انقطاع ، ولا فتور.
فقد سبق جوابه فى الفصل الّذي قبله.
قولهم : إن عبادتهم أطول مدة.
قلنا : هذا إنما يلزم أن تكون مشقتها أزيد أن لو بينوا التساوى بين عبادة الأنبياء ، والملائكة فى كيفية المشقة مع زيادة كميتها ، وإلا فلا.
ثم بيان أن عبادة البشر أشق من عبادة الملائكة : أنهم مكلفون بالعبادات ، مع استيلاء الموانع عليهم ، وذلك : كالشهوة والغضب ، والحرص ، والهوى ، ووسوسة
__________________
(١) سورة القمر ٥٤ / ٥٥.
(٢) أخرجه أبو نعيم فى حلية الأولياء فى ترجمة عمران القصير ٦ / ١٧٧ ، عن عمران القصير قال : قال موسى عليهالسلام يا رب أين أبغيك قال أبغنى عند المنكسرة قلوبهم فإنى أدنو منهم كل يوم باعا لو لا ذلك لانعدموا» ط.
دار الفكر. وعزاه الزبيدى فى أتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ٦ / ٢٩٠ إلى أبى نعيم فى الحلية ـ وقال الزبيدى كأنه من الإسرائيليات.
/ / أول ل ١٠٧ / أ.