وقوله / / تعالى ـ : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ....) (١) الآية.
لا دلالة فيه على أن جبريل أفضل من محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فإن غايته ذكر صفات لجبريل موجبة لفضيلته ، ولا يلزم من ذلك الأفضلية إلا أن يكون كل ما وصف به محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد وصف به جبريل ، وزيادة ؛ وليس كذلك.
وما ذكروه فى تقريره فلا حجة فيه ؛ لأنه لم يذكر وصف جبريل بما ذكر به ، لقصد تفضيله على محمد ، أو لأنه أفضل منه ؛ بل إنما ذكر ذلك للرد على كفار مكة حيث أنهم كانوا يقولون إن محمدا مجنون ، وأن ما يذكره من القرآن : إنما هو كلام الشيطان يلقيه على لسانه. فقال ـ تعالى ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ـ أى الكواكب ـ (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) ـ أى أظلم ـ (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) ـ أى أضاء ـ (إِنَّهُ) ـ أى القرآن ـ (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ، مبالغة فى أنه ليس بقول شيطان رجيم ، (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٢) كما زعمتم ، وإنما وقعت المبالغة فى ذكر صفات جبريل دون صفات محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لوجهين :
الأول : أنها لم تكن معلومة لهم بخلاف صفات محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذ أنها كانت معلومة لهم ؛ لكونه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بين أظهرهم ، وهو بمرأى منهم.
الثانى : للمبالغة فى الميز بينه ، وبين من نسب إليه إلقاء القرآن على لسان الرسول عليه ـ الصلاة والسلام ـ من الشياطين ، لا لأجل أن جبريل عليهالسلام أفضل.
وهذه المسألة : ظنية لا حظ للقطع فيها نفيا ، ولا إثباتا ، ومدارها على الأدلة السمعية ، دون الأدلة العقلية ، وقد أتينا فيها بمبلغ الجهد ، ونهاية الوسع ، مما لم يأت به غيرنا على وفق مذهب أصحابنا.
ولله الحمد والمنة
__________________
/ / أول ل ١٠٨ / ب.
(١) سورة التكوير ٨١ / ١٩.
(٢) سورة التكوير ٨١ / ١٥ ـ ٢٢.