تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) ومعناه ألا تكون على صورة الملائكة وأن لا تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين ؛ أى خلف لهما على ذلك ، وذلك يدل على أن صور الملائكة أحسن ، وأعظم من صور البشر ، لا على الفضيلة.
وقوله ـ تعالى ـ : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).
لا يدل على تفضيل الملائكة على المسيح ، وتأخير الملائكة فى الذكر لا نسلم دلالته على ذلك ، وما ذكروه من المثال فى قول القائل «إن فلانا لا يستنكف عن خدمته الوزير ، ولا السلطان» لم يعرف فيه زيادة شرف السلطان على الوزير من التقديم ، والتأخير ؛ بل كان ذلك معلوما لنا قبله. ولهذا لو قال القائل «ما فعل هذا الأمر زيد ، ولا عمرو» فإنه لا يدل على شرف عمرو ، على زيد ؛ بل ربما كان الأمر بالعكس فى نفس الأمر.
وإن سلمنا أن ذلك يدل على أفضلية هذا المتأخر فى الذكر ، ولكن غايته الدلالة على أن جملة الملائكة ، أفضل من المسيح وليس فيه ما يدل على أن آحاد الملائكة أفضل من المسيح. والنزاع إنما هو واقع فى أن آحاد الأنبياء ، أفضل من آحاد الملائكة. لا فى أن آحاد الأنبياء ؛ أفضل من جملة الملائكة.
وإن سلمنا دلالة ذلك على أن آحاد الملائكة أفضل من المسيح ، ولكن ليس فيه ما يدل على أنه أفضل منه فى الثواب ، ورفع الدرجة فى الدار الآخرة عند الله ـ تعالى ـ ؛ بل يحتمل أن التفاضل بينهما فى القوة / والقدرة ، أو من جهة كون المسيح مخلوقا من أنثى لا من ذكر ، وكون الملك مخلوقا من غير ذكر ، ولا أنثى ، وذلك لأن النصارى لما اعتقدوا إلاهية المسيح إما لقدرته على إحياء الميت ، وإما لكونه مخلوقا من غير ذكر ، قال ـ تعالى ـ محتجا عليهم بقوله (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) ـ مع قدرته على إحياء الميت ومع كونه مخلوقا من غير ذكر ـ (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢) الذين هم أقوى ، وأقدر منه ، وكونهم مخلوقين من غير ذكر ، ولا أنثى ، والتفاوت بين المسيح ، والملائكة فى كل واحد من الأمرين المذكورين لا يدل على فضيلة الملك بالنسبة إلى المسيح فيما هو محل النزاع على ما قررناه.
__________________
(١) سورة النساء ٤ / ١٧٢.
(٢) سورة النساء ٤ / ١٧٢.