الثانى : أنهن فى حالة خروجه عليهن : إنما عرفن منه حسنه وجماله ؛ فإن ذلك يحصل بأول نظرة ، بخلاف حسن السيرة ، والعفاف ، وصفات الفضيلة ؛ فإنها لا تعرف إلا بعد خبرة وطول مدة ، والظاهر كذلك أنهم إنما قصدوا التشبيه فى الصورة ، لا فى السيرة.
الثالث : قول امرأة العزيز (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (١) أى فى جماله ، وميلها إليه ؛ لما ظهر لهن عذروها ؛ لحسنه وجماله.
ولا يخفى أن ما كان فيه من حسن السيرة ، وصفات الفضيلة غير موجب لذلك.
قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٢) .... الآية.
لا يدل على تفضيل الملك عليه ، وذلك لأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما خوف كفار قريش بالعذاب فى قوله ـ تعالى ـ قبل هذه الآية (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ـ يعنى كفار قريش ، وتكذيبهم بالقرآن ـ (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٣). فسأله كفار قريش تعجيل العذاب ؛ استهزاء به ، وتكذيبا له ؛ فأنزل الله تعالى ـ : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ـ : أى مفاتيح نزول العذاب بكم ـ (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ـ : أى متى ينزل عليكم العذاب ـ (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٤) : أى ممن يقدر على إحاطة العذاب بكم ، ونزوله عليكم من الملائكة كما فعل بالأمم السالفة من قبلكم ، على ما روى أن جبريل ـ عليهالسلام ـ قلب بإحدى جناحيه بلاد لوط ، وذلك يدل على أن الملك أقدر ، ولا يدل على كونه أفضل.
وقوله ـ تعالى ـ : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٥) الآية ، ليس فيه ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء ، وذلك لأنه قد ذكر أهل التفسير أن آدم ، وحواء رأيا الملائكة على صور أحسن من صورتهما ، وخلق أعظم من خلقهما ؛ فقال لهما إبليس (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ / ٣٢.
(٢) سورة الأنعام ٦ / ٥٠.
(٣) سورة الأنعام ٦ / ٤٩.
(٤) سورة الأنعام ٦ / ٥٠.
(٥) سورة الأعراف ٧ / ٢٠.