وإن كان الثانى : فيلزم أنها إذا علمت شيئا ، أو جهلته أن يشترك الناس كلهم فيه ؛ لاتحاد النفس ، والشيء المدرك ؛ وهو محال.
هذا كله إن قيل باتحادها قبل مقارنة الأبدان.
ولا جائز أن يقال بأنها متكثرة / / قبل الأبدان «إذ التكثر ، والتغاير فيما اتحد نوعه دون مميز محال.
وما به التمايز والتغاير ، إما أن يكون ثابتا لها لذاتها ، أو أن ذلك لها بالنسبة إلى غيرها.
لا جائز أن يقال بالأول : إذ هى من نوع واحد. فما ثبت لواحد منها لذاته ليس أولى من ثبوته لغيره.
وإن كان الثانى : فكل تكثر يفرض مما به تكثير أشخاص الماهية المتحدة الغير مقتضية للتكثر بذاتها فليس إلا بالنسبة إلى المواد وعلائقها ؛ فلا تكثر فيه.
وهذه المحالات : إنما لزمت من فرض وجود الأنفس سابقة على الأبدان ؛ فلا سبق (١).
الحجة الثانية : أنه لو كانت الأنفس الإنسانية موجودة قبل وجود الأبدان ؛ لكانت إما فاعلة متصرفة ، أو معطلة عن الفعل ، والانفعال.
لا جائز أن تكون معطلة ؛ إذ لا شيء من فعل الطبيعة معطلا. ، وإن كانت متصرفة بالفعل ، والانفعال. فتصرفها لا يعدو أحد الأمرين :
إما إدراك عقلى ، وإما تحريك جسمانى مقرونا بإدراك حسى ، وكل واحد من الأمرين ـ فلن يتم لها قبل وجود الأبدان التى هى حاكمة فيها ، والآلات التى بها يتوصل إلى إدراك مدركاتها.
فإذن لا وجود للأنفس قبل وجود الأبدان.
__________________
/ / أول ل ١١٤ / ب من النسخة ب.
(١) راجع ما ورد فى معارج القدس للإمام الغزالى ص ٨٦.