الحجة الثانية : أنها بعد مفارقة بدنها لا تفعل ، ولا تنفعل ، وكل ما لا يفعل ، ولا ينفعل فوجوده معطل ، ولا معطل فى الوجود الطبيعى (١).
وذهب فريق آخر إلى التفصيل. وهو أن قال : أفعال النفس منها ما يكون بالبدن والآلة. كالإدراكات الجزئية بالحواس الخارجية ، ومنها ما يكون لها لذاتها : كالتعقلات الكلية ، والتصورات العقلية.
فما كان لها من الأفعال الأولى ؛ فلا يبقى بعد مفارقة البدن. بخلاف ما كان لها من الأفعال الثانية ، وعلى هذا إن / كانت مفارقتها للبدن قبل تصور المعقولات ، وتجريد الكليات من الجزئيات ؛ فإنها لا تعاد ؛ إذ ليس لها فعل يقتضي لها البقاء ، والانفعال. وإن كان تكملت بما حصل له أمن التصورات الكلية ، والتصديقات العقلية فى حالة اتصالها بالبدن ؛ فإنها تبقى ، وإن فارقت البدن.
وذهب أرسطاطاليس ومن تابعه من فحول (٢) الحكماء : إلى لزوم بقائها بعد مفارقة البدن ، وسواء أكانت التعقلات التى هى كمالها الممكن لها قد حصلت حالة المفارقة ، أو لم تكن حاصلة ، محتجين على ذلك بحجج ثلاث :
الحجة الأولى : أن ما يعدم بعد وجوده ، لا يجوز أن يكون انعدامه لذاته ؛ وإلا لما وجد ؛ فانعدامه : إما أن يكون لعدم علته الفاعلة المقتضية لبقائه واستمراره ، كما فى انعدام ضوء المصباح عند انطفائه.
وإما لوجود مزاحم يبطله ، ومضاد يعدمه : كانعدام برودة الماء بالحرارة الطارئة عليه ، الغالبة له ، فلو انعدمت النفس ، لكان انعدامها لأحد هذين الأمرين ، وكل واحد منهما باطل.
أما أنه لا يجوز أن يكون انعدامها لانعدام علتها ؛ إذ العلة الفاعلية للنفس الناطقة إنما هو العقل الفعال ؛ وهو غير قابل للكون ، والفساد / / على ما قرر فى الحكميات.
__________________
(١) قارن بما قاله أرسطو فى النفس ص ٤٤ ، ٤٥ د. الأهوانى ط : الحلبى.
(٢) تابع أرسطو من فلاسفة الاسلام. الكندى : فى رسائله الفلسفية ص ٢٨٠ ، وابن سينا : فى النجاة ص ١٨٥ والإشارات والتنبيهات ٢ / ٤٢٩ ، ٤٣٠ تحقيق د. دنيا.
والإمام الغزالى : تهافت الفلاسفة ص ٣٠٧ ـ ٣٠٩ ومعارج القدس ص ١٣١ ـ ١٣٤.
/ / أول ل ١١٥ / ب من النسخة ب.