وعند ذلك : فالأعراض المتجددة من أول حياة الإنسان ، إلى مماته : إما أن يكون كل واحد منها نفسا ، أو أن النفس واحد منها دون الباقى ، أو أن النفس جملتها ، أو أنها جملة من جمل تلك الأعداد.
فإن كان الأول : فهو ممتنع لوجهين :
الأول : أنه يلزم من ذلك أن من علم شيئا بالاكتساب والنظر فى حالة أن لا يكون عالما به فى الحالة التى تلى تلك الحالة ؛ لفوات ذلك المدرك منه إلا بنظر ثان ، وكذلك فى كل حالة متجددة ؛ وهو محال خلاف المعقول من أنفسنا.
الثانى : أنه يلزم من ذلك أن من كان كافرا فى بعض الأحوال ، ومؤمنا فى بعض الأحوال : أن تكون نفسه المؤمنة غير الكافرة ؛ ضرورة التجدد ، وأن تخلد نفسه الكافرة فى النار ، والمؤمنة فى الجنة ، ويكون الشخص الواحد معذبا ، منعما باعتبار ما له من النفسين ، ولم يقل به قائل.
وإن كان الثانى : فهو ممتنع لوجهين :
الأول : أنه ليس البعض بأن يكون هو النفس منها دون / الباقى ، أولى من العكس ؛ ضرورة التماثل.
والثانى : أنه يلزم من ذلك خلو الإنسان عن النفس قبل ذلك الجزء وبعده ، وهو المحال.
وإن كان الثالث : فيلزم من ذلك أن لا تكون له نفس قبل بلوغ تلك الجملة ؛ وهو أيضا محال ، وبمثل هذا يبطل القسم الرابع أيضا.
وأما القول بأن النفس هى المزاج : فهو مبنى على القول بوجود المزاج ؛ وقد أبطلناه بالوجوه الكثيرة المتعددة عند الرد على الفلاسفة فيه.
وبتقرير تسليم المزاج جدلا ؛ فهو عرض متجدد كما سبق (١).
فلو كان هو النفس : فنحن نعلم أن من لمس شيئا متكيّفا ببعض الكيفيّات الملموسة ، أنه يكون مدركا له ، والمدرك منه : إما المزاج المتقدم ، أو المتجدد بعد اللمس الأول محال ؛ لعدم المدرك.
__________________
(١) راجع ما مر ل ٣٧ / أوما بعدها.