أما الحجة الأولى القائلة بأن ما انعدم بعد وجوده إما أن يكون انعدامه لعدم علته ، الفاعلة له ؛ أو لوجود مضاد يعدمه ـ فباطلة.
أما أولا : فلا نسلم الحصر ، وما المانع أن يكون انعدامه فى الحال الثانى من وجوده لذاته كما تقرر فى الأعراض؟ ، وبتقدير تسليم امتناع عدم ما وجد لذاته ، فما المانع أن يكون انعدامه لفاعل مختار أعدمه ، أو لفوات شرط بقائه ، وانقطاع وجود ما لا بد لوجوده منه بأن لا يخلقه الله ـ تعالى ـ كما سبق فى الفناء (١).
وإن سلمنا الحصر فى القسمين ، ولكن ما المانع من عدم النفس على أصولهم لعدم علتها؟
قولهم : لأن علتها العقل الفعال ، وهو غير قابل للفساد.
قلنا : لا نسلم وجود العقل الفعال فضلا عن كونه علة كما سبق تحقيقه.
وإن سلمنا وجوده ؛ فلا نسلم أنه العلة للنفوس الإنسانية.
وإن سلمنا أنه / علة النفوس الإنسانية ؛ فلا نسلم أنه غير قابل للفساد ، بل النزاع فيه كالنزاع فى النفس.
وإن سلمنا امتناع انعدامها لانعدام علتها ؛ فما المانع أن يكون ذلك بسبب وجود مضاد لها؟
وأما قولهم : لأن ذلك إنما يتصور مع قيام الضدين (٢) بموضوع واحد ، أو محل واحد لا نسلم ذلك وما المانع أن يكون ضدا لها ، بمعنى أنه يمتنع وجودها مع وجوده وإن لم يجتمعا فى موضوع ولا محل ، وهو أعم من كونه ضدا مانعا فى المحل.
وإن سلمنا أن ذلك لا يكون إلا كما ذكروه ، ولكن لا نسلم أن النفس ليست موجودة فى موضوع ، وإنما لا يكون فى موضوع أن لو كانت جوهرا ، ودليله غير يقينى.
وإن سلمنا امتناع وجودها فى موضوع ؛ فلا نسلم امتناع وجودها فى محل. وما المانع من قيامها بالمحل على نحو قيام الصور الجوهرية بموادها؟ وما ذكروه فى إحالة ذلك فقد أبطلناه.
__________________
(١) انظر ما مر فى الأصل الخامس : فى فناء الجواهر والأعراض ل ١٠٣ / أو ما بعدها.
(٢) الضدان : صفتان وجوديتان تتعاقبان فى موضع واحد ، يستحيل اجتماعهما : كالسواد ، والبياض. والفرق بين الضدين ، والنقيضين : أن النقيضين لا يجتمعان ، ولا يرتفعان : كالعدم ، والوجود. والضدين : لا يجتمعان ، ولكن يرتفعان : كالسواد ، والبياض ، [التعريفات للجرجانى ص ١٥٥].