والفائدة فى خلق الجنة والنار : إنما هو المجازاة بالثواب ، والعقاب ، وذلك غير متحقق قبل يوم القيامة بإجماع المسلمين ؛ فلا يكون خلق الجنة ، والنار فى وقتنا هذا مفيدا ؛ فكان ممتنعا عقلا.
وإن سلمنا الإمكان العقلى : غير أن ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيض مقتضاه ، وبيانه من وجهين :
الأول : أن الجنة لو كانت موجودة ؛ لكانت دائمة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (١) ودوام أكلها وظلها ، مع عدم دوامها ؛ محال. وليست دائمة بدليل قوله ـ تعالى ـ : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢) الآية دالة على فناء كل مخلوق ؛ فيدخل فيه الجنة ، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم ؛ فدل على أنها غير مخلوقة الآن ، وإنما تخلق بعد فناء كل مخلوق.
الثانى : قوله ـ تعالى ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٣) ووجه الاحتجاج أن الآية دلت على أن أقطار السموات والأرض ، لا تسع الجنة الموعودة لمستحقى الثواب ، وهو دليل ظاهر على عدمها ، فى وقتنا هذا. وعند تعارض الأدلة ، فليس العمل بالبعض ، أولى من البعض ؛ فيحتاجون إلى الترجيح.
والجواب :
قولهم : إنّ ذلك غير ممكن عقلا :
قلنا : دليل الإمكان العقلى : أنّا لو فرضنا أنّ الله ـ تعالى ـ خلقهما فى الآن لم يعرض عنه المحال لذاته ، ولا معنى للممكن العقلى إلا هذا :
وما ذكروه فى تقريره : فمبنى على فاسد أصولهم فى رعاية الغرض ، والحكمة فى أفعال الله ـ تعالى ـ وقد أبطلناه (٤) ، وبتقدير التسليم لوجوب رعاية الحكمة فى أفعاله لا يبعد أن يكون له فى ذلك حكمة قد أستأثر بعلمها وحده ، ولا يخفى أنّ نفى ذلك مما لا سبيل إليه بطريق قطعى.
__________________
(١) سورة الرعد ١٣ / ٣٥.
(٢) سورة القصص ٢٨ / ٨٨.
(٣) سورة آل عمران ٣ / ١٣٣.
(٤) انظر فى الجزء الأول من أبكار الأفكار ل ١٨٦ / وما بعدها.