قولهم : لو كانت الجنّة مخلوقة : لكانت دائمة. لا نسلم ذلك ، وقوله ـ تعالى ـ : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (١) فالمراد بالأكل : إنّما هو المأكول : وهو ثمر الجنة باتفاق المفسرين ، وذلك غير دائم ضرورة فنائه عند أكل أهل الجنة له.
فإذن ما هو الظاهر من دوام الأكل غير معمول به ، فتعين حمل دوام الأكل على تجدده ، من غير انقطاع ؛ وذلك لا ينافى عدم الجنة.
وان سلمنا أنّها لو كانت موجودة ؛ لكانت دائمة ، ولكن لا نسلم أنها غير دائمة. وقوله ـ تعالى ـ / : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢) لا نسلّم العموم على ما عرف من أصلنا.
وإن سلّمنا العموم لغة ، غير أن المراد بقوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) كلّ حي ميّت : على ما قاله ترجمان القرآن : وهو ابن عباس كما سبق تحقيقه / / فيما سلف (٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٤) إنما يدل على عرضهما ؛ أن لو وجب كون الجنة فى حيز السموات والأرض ، وليس كذلك ، بل أمكن أن تكون خارجة عن حيزهما ، ويكون المراد من قوله ـ تعالى ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) مثل السموات والأرض ، لا أنها عينها ، ويدل عليه ما روى «أن الدرجة السفلى من الجنة فوق السماء السابعة وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى ـ : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (٥) / / وسدرة المنتهى فوق السماء السابعة ، ولذلك سميت سدرة المنتهى ؛ لانتهاء أوهام الناس إليها ، وأنّها لا تتعداها.
__________________
(١) سورة الرعد ١٣ / ٣٥.
(٢) سورة القصص ٢٨ / ٨٨.
(٣) راجع ما سبق ل ٢١٨ / أوما بعدها.
(٤) سورة آل عمران ٣ / ١٣٣.
(٥) سورة النجم ٥٣ / ١٤ ، ١٥.
/ / أول ل ١٢٣ / ب من النسخة ب.