وأما أصحابنا : فقد اختلفوا فى صورة المصلوب ، وكذا كل ما نشاهده من الميت بعد موته ، وهو على هيئته مددا متطاولة.
فمنهم من قال : ترد الحياة إلى بعض أجزاء البدن ، واختصاصها بذلك والمساءلة ، والعذاب ، وإن لم يكن ذلك مشاهدا لنا.
وأما القاضى أبو بكر (١) : فقد قال : لا يبعد أن ترد الحياة إلى المصلوب وإن كنا نحن لا نشعر بها : كما فى صاحب السكتة ، ويسأل ، ويعذب ، ويكون ذلك خفيا عنا مستورا منا ، ولا بعد فيه ، كما لا بعد فى رؤية النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ جبريل ؛ وهو بين أظهر أصحابه ، مع ستره عنهم.
وأما الصورة الأخرى : فجوابها : بمنع اشتراط البنية المخصوصة فى الحياة ، وعند ذلك : فلا مانع أن يرد الله ـ تعالى ـ الحياة إلى كل جزء من البدن ، أو إلى أجزاء مخصوصة منه كما سبق ويسأل ، ويعذب ، وإن كان ذلك مستورا عنا ، وغايته أنه من الخوارق للعادة وهى غير ممتنعة فى مقدور الله ـ تعالى ـ كما سبق تحقيقه.
وأما قوله ـ تعالى ـ : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) (٢)؟ فهو دليل على حياتهم ؛ لأن المفهوم من المرقد : هو موضع الاضطجاع للرقاد ، والرقاد من صفات الأحياء. فإثبات المرقد لهم يدلّ على كونهم أحياء فى قبورهم ، وليس فيه ما يدل على عدم العذاب ؛ لجواز أن يكونوا فى مراقدهم معذبين.
ولهذا فإنه يصح أن يقول المريض المدنف (٣) الّذي استولت عليه الآلام : تعذبت فى مرقدى ، وأنا على غاية الألم والقلق ؛ فدل أن المرقد يكون مع الراحة تارة ، ومع مقابلها أخرى. ويحتمل أن يقال : بأن ما يلقونه من عذاب القبر بالنسبة إلى ما يلقونه من عذاب يوم القيامة يكون كالروح والراحة (٤) ، حالة كون الانسان راقدا فى مرقده ، فلذلك قالوا : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا : أى ما كنا فيه من الروح والراحة بالنسبة إلى هذا العذاب.
__________________
(١) انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٢٨ فقد وضح قول القاضى أبو بكر.
(٢) سورة يس ٣٦ / ٥٢.
(٣) المدنف : الدنف بفتحتين : المرض الملازم. وقد دنف المريض من باب طرب : أى ثقل ... وأدنفه المرض يتعدى ولا يلزم فهد مدنف ومدنف. (مختار الصحاح للرازى).
(٤) الروح : الاستراحة وكذا الراحة ـ مختار الصحاح للرازى.