وإن سلمنا منافاة المرقد للعذاب / / مطلقا ؛ غير أن بعثهم من مرقدهم لا يدل على انتفاء عذاب القبر مطلقا لوجهين :
الأول : أن عذاب القبر غير دائم فى بعض الأوقات دون البعض على ما قال ـ تعالى ـ : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (١) وفيما بين ذلك فالعذاب / يكون مفتّرا ، وقيام الساعة إنما يكون عند ارتفاع النهار على ما وردت به الأحاديث ولعل ذلك يقع مصادفا لوقت الفترة فى مرقدهم.
الثانى : أنه قد ورد فى الروايات الصحاح عن النبي عليهالسلام «أن عذاب القبر يرتفع فيما بين النفختين : نفخة الصعقة ، ونفخة الحشر (٢) ؛ فلا تقوم الساعة إلا وهم فى مرقدهم غير معذبين. وبه الرد على الصالحى وموافقيه (٣).
وأما قوله ـ تعالى ـ : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٤) فهو وارد فى حق أهل الجنة ، وعند ذلك فيحتمل أن يكون المراد من قوله (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) جنس الموت ، وإن كانت الصيغة صيغة الواحدان كما فى قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٥).
والمراد به جنس الناس ، وليس فى ذلك ما يدل على انتفاء كثرة الموت فى نفسه.
وإن سلمنا ظهور اللفظ فى الموتة عن الحياة الأولى ؛ غير أنه يحتمل أنه أراد بذلك تعريف أنهم لا يذوقون فيها ألم الموت كما لقوه فى الموتة الأولى ، [وليس فى ذلك ما يدل على انتفاء موتة أخرى ؛ لجواز أن لا يذوقون فيها ألم الموت ، وشدته كما لقوه فى شدة الموتة الأولى] (٦) ولا يلزم من انتفاء وصف الموتة الأولى عن غيرها ، انتفاء أصل الموت.
ويحتمل أنه أراد بذلك بيان دوام نعيمهم ، وعدم انقطاعه فقال (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) : أى لا ينقطع نعيمهم بالموت : كانقطاع نعيم أهل الدنيا بالموت ، وليس فى
__________________
/ / أول ل ١٢٥ / أ.
(١) سورة غافر ٤٠ / ٤٦.
(٢) وقد أورده ابن القيم بمعناه فى كتابه الروح ص ١٢٣.
(٣) راجع قول الصالحى ، وابن جرير الطبرى ، وبعض الكرّاميّة ل ٢١٩ / أ.
(٤) سورة الدخان ٤٤ / ٥٦.
(٥) سورة العصر ١٠٣ / ٢.
(٦) ساقط من (أ).