قولهم : يجب حمله على / حالة التوبة فهو خلاف الظاهر ، وما ذكروه من الدليل العقلى ؛ فقد أبطلناه (١) ، وما يذكرونه من الدليل السمعى ؛ فسيأتى إبطاله (٢).
كيف وأنه يمتنع حمله على حالة التوبة عن الذنب لثلاثة أوجه :
الأول : هو أن العفو ، والغفران حالة التوبة عندهم واجب ، وذلك مما يمتنع تعليقه بالمشيئة عرفا وعادة ، وإن كان واقعا بالمشيئة.
والثانى : أنه فرق فى الآية بين المعصية بالكفر ، وغيره حيث قال تعالى : (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) وفى حالة التوبة ، فالفرق غير متحقق لا محالة.
الثالث : هو أن المراد من قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إنما هو غفران التفضل ؛ لأن غفران التوبة واجب عندهم ، فلو كان قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) محمولا على حالة التوبة ؛ لكان الغفران واجبا ، لا تفضلا ، ولا يكون الكلام منتظما كما لو قال القائل : فلان لا يتفضل بدينار ، ولكنه يعطى ما دونه لمستحقه. وهذا بخلاف ما لو قال : فلان لا يتفضل بدينار ؛ لكنّه يتفضل بما دونه.
قولهم : إنه مشروط بالمشيئة.
قلنا : المشروط بالمشيئة نفس الغفران ، أو المغفور له.
الأول ممنوع ، والثانى مسلم.
ولهذا : فإنه لو قال القائل : إنى معط هذا الدينار لمن شئت من هؤلاء الجماعة ، فإن إعطاء الدينار ، يكون مقطوعا به ، غير معلق بالمشيئة بخلاف المعطى.
سلمنا أن المعلق بالمشيئة هو الغفران ؛ غير أن ذلك يدل على جوازه ، وإلا فلو كان ممتنعا لما كان للفرق بينه ، وبين الشرك معنى.
قولهم : المغفرة قد تطلق بمعنى تأخير العقوبة ، وقد تطلق بمعنى إسقاط العقوبة.
قلنا : الحمل على إسقاط العقوبة أولى ؛ لثلاثة أوجه :
__________________
(١) راجع ما سبق ل ٢٢٨ / أوما بعدها.
(٢) انظر ما سيأتى ل ٢٣٠ / أوما بعدها.