الأول : أن المتبادر إلى الأفهام من إطلاق لفظ العفو ، والمغفرة [إسقاط العقوبة] (١) دون تأخير العقوبة ، فإن حمله عليه أظهر ، وأولى ،
الثانى : أنه لو حمل لفظ المغفرة فى الآية على تأخير العقوبة ؛ للزم منه تخصيص قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (٢) ؛ لأن عقوبة الشرك مؤخرة فى حق كثير من المشركين ؛ بل ربما كانوا فى أرغد عيش ، وأطيبه بالنسبة إلى عيشة المؤمن. كما سبق تقريره وألا يفرق فى مثل هذه الصور بين الشرك وما دون الشرك ؛ بخلاف الحمل على إسقاط العقوبة.
الثالث : أن الأمة من السلف قبل ظهور المخالفين ، لم يزالوا مجمعين على حمل لفظ المغفرة فى الآية على سقوط العقاب / ، وما وقع عليه إجماع الأمة ؛ فهو الصواب ، وضده لا يكون صوابا ، على ما قاله عليهالسلام : «أمتى لا تجتمع على الخطأ». وقد قررنا ذلك فيما تقدم (٣).
وعلى هذا فقد اندفع قولهم : إن لفظ المغفرة فى الآية قد اقترن به ما يدل على إرادة المغفرة بمعنى تأخير العقوبة.
قولهم : أراد به إسقاط جملة العقوبات ، أو كل واحد ، واحد ، من أنواعها ، أو البعض دون البعض.
قلنا : بل المراد إسقاط كل واحد واحد ، وبيانه أن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) سلب الغفران. فإذا كان المفهوم من الغفران ، إسقاط العقوبة ؛ فسلب الغفران سلب السلب ؛ فيكون إثباتا ومعناه إقامة العقوبة.
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) سورة النساء ٤ / ٤٨.
(٣) عن الإجماع وحجيته ، وعصمة الأمة عن الوقوع فى الخطأ وإجماعها عليه ، تحدث الآمدي عن هذا الموضوع بالتفصيل فى الأبكار وأستدل على صحة قوله بأكثر من عشرة أحاديث وقال «وهذه أخبار مروية فى الكتب الصحاح منقولة على لسان الثقات لم يوجد لها نكير (انظر ما سبق فى الجزء الأول ل ٢٧ / أوما بعدها) كما ذكر هذه الأحاديث فى كتابة الإحكام ص ١٦٢ وما بعدها مقدما لها بقوله : «وأما السنة : وهى أقرب الطرق فى إثبات كون الإجماع حجة الخ» انظر هامش ل ٢٧ / أوما بعدها من الجزء الأول.