وعلى هذا : فأمكن أن يكون المراد من الظالمين الكفار ؛ فإن الكفار ظلمة على ما قال ـ تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١).
وإن سلمنا العموم غير أنه / يجب حمله على الكفار ؛ ضرورة الجمع بينه ، وبين ما ذكرناه من الدليل ، وربما قيل بموجب هذه الآية من حيث إنها نفت أن يكون فى الآخرة شفيع مطاع ، ولا يلزم من نفى الشفيع المطاع ؛ نفى الشفيع مطلقا ، وهو بعيد من جهة أن الطاعة فى اللغة عبارة عن فعل مراد الطالب.
وسواء كان الطالب مساويا ، أو أعلى أو أدنى ، ولذلك قال عليهالسلام لابن عباس : «إن أطعت الله أطاعك» : أى إن فعلت ما أراد ؛ فعل ما تريد ، وقد حققنا ذلك فيما تقدم (٢) ، ولو لم يكن فى الآخرة شفيع مطاع ؛ لما كان مراده حاصلا من شفاعته ، وهو خلاف مطلوبنا ، وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) (٣).
فنحن وإن سلمنا جدلا أن العموم له صيغة غير أن الضمير فى قوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) إنما هو عائد إلى النفس المذكورة ثانيا ، وهى نكرة ، والأصل فى النكرات الخصوص ، إلا إذا كانت منفية كقولهم : لا رجل فى الدار ، أو نفى عنها شيء كقولهم : ما جاءنى أحد. والنفس المذكورة ثانيا غير منفية ، ولا نفى عنها شيء فتبقى على الخصوص.
وعلى هذا : فيمكن أن يكون المراد منها النفس الكافرة ، ويجب الحمل عليها جمعا بين الدليلين.
فإن قيل : النكرة وإن لم تكن منفية ، ولا نفى عنها شيء إلا أنها إذا كانت متعلقة بما نفى عنه شيء ، فتكون عامة كما لو قال القائل : والله لا شربت ماء من إداوة (٤) ، فإن المنفى : هو الشرب ، والماء محله ، والإداوة عمل المحل ، ومع ذلك فإنه يعم كل إداوة ، حتى أنه يحرم الشرب من أى إداوة كان.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٢٥٤.
(٢) راجع ما تقدم ل ٢٢٧ / ب.
(٣) سورة البقرة ٢ / ١٢٣.
(٤) الإدواة : إناء صغير يحمل فيه الماء (ج) أداوى. [المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية ـ الطبعة الثالثة ـ باب الهمزة. ١ / ١٠].