قلنا : هذا يدل على كون الإداوة مطلقة لا عامة ، وإلا فلو كان اللفظ مقتضيا للعموم فى كل إداوة ، لحرم الشرب من باقى الإداوات ، بعد شربه من واحدة منها ، وليس كذلك.
وقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (١) فهو حقيقة فى ذات المشفوع له. والرضى غير متعلق بذاته ؛ ولهذا فإنه لا يقال رضيت ذات فلان ؛ فلا بد من التجوز ، فكما يمكن التجوز بذلك عمن ارتضى أفعاله ، فيمكن التجوز به عمن ارتضيت الشفاعة له ؛ وليس أحد المجازين أولى من الآخر.
وبتقدير أن يكون المراد منه ، من ارتضيت الشفاعة له ؛ لا يدل على نفى الشفاعة إلا بتقدير عدم الرضا بالشفاعة ، ولا سبيل إلى بيانه فى محل النزاع.
وإن سلمنا وجوب حمل الآية على من ارتضى فعله / فلا نسلم وجوب حمله على كل الأفعال ؛ فإن حمل اللفظ على الفعل ؛ إنما كان ضرورة العمل باللفظ ؛ فيكون حجة فى أقل ما تندفع به الضرورة ، ولا يعم.
وعلى هذا ، فيكون الفاسق المؤمن ، مرضيا بعمله من جهة إيمانه ؛ فلا يكون خارجا عن صورة الاستثناء.
وقوله تعالى (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (٢).
دليل أن من حقت عليه كلمة العذاب أنه لا شفاعة / / فى حقه ، ونحن نقول به ؛ فإن المراد من قوله : (حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) أنه قطع بعذابه ، وذلك عندنا غير متصور فى حق غير الكافر الّذي مات على كفره.
وقوله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٣). فجوابها ما سبق فى جواب الآية الأولى ، ويخصها جواب آخر ، وهو القول بالموجب ، فإن المفهوم من النصرة : المدافعة بجهة القهر والغلبة ، ومن الشفاعة : الطلب من جهة الخضوع ، ولا يلزم من نفى
__________________
(١) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٨.
(٢) سورة الزمر ٣٩ / ١٩.
/ / أول ل ١٣١ / أ.
(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٧٠.