أحدهما ، نفى الآخر ، وقوله تعالى : (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) (١) فالمفهوم من العاصم هو المانع على طريق القهر والغلبة ، ولا يلزم من نفى ذلك ، نفى الشفيع ؛ لما عرف ، وقوله عليهالسلام : «لا تنال شفاعتى أهل الكبائر من أمتى».
فقد قيل : إنه مرسل ؛ فلا يكون حجة ، وإن كان حجة ؛ غير أنه أمكن حمله على من كفر من أمته ، وكون تسميته من أمته بطريق المجاز باعتبار ما كان عليه ، كما فى تسمية المعتق عبدا ، ونحوه ويجب حمله عليه جمعا بينه ، وبين ما ذكرنا من الأخبار (٢).
فلئن قالوا : أليس تأويل هذا الخبر بحمله على من كفر من أمته ضرورة إجراء ما ذكرتموه على ظاهره؟.
قلنا : فهذا ممتنع ؛ فإن من تاب عن الكبيرة من المؤمنين ؛ فالعفو عنه واجب عندهم ؛ فلا يحتاج فى كبيرته إلى شفاعة ، وكذلك أن لو حملوه على الصغائر.
قولهم : سلمنا الشفاعة ولكن ليس فى ذلك ما يدل على إسقاط العقوبة.
فقد قيل فى جوابه : إن الشفيع حقيقة فى طالب دفع الضرر بالإجماع ، وليس حقيقة فى طالب جلب النفع ؛ إلا لصح تسمية الواحد من أمة النبي صلىاللهعليهوسلم شافعا للنبى عند سؤاله ـ تعالى ـ فى زيادة كرامته ورفع درجته ؛ وليس كذلك بالإجماع ؛ فوجب حمله على الحقيقة دون المجاز ؛ وليس بحق ؛ فإنه إن امتنع إطلاق اسم الشفيع على الواحد من أمة النبي صلىاللهعليهوسلم عند ما إذا سأل الله ـ تعالى / الزيادة فى كرامته. فعند ما إذا سأل الله ـ تعالى ـ دفع الضرر عنه : إما أن يقال له شفيع ، أو لا يقال له ذلك.
فإن كان الأول : فالفرق تحكم غير مقبول.
وإن كان الثانى : فكما دل امتناع إطلاق الشفيع على الواحد من الأمة عند طلب الزيادة فى كرامة النبي صلىاللهعليهوسلم على أن الشفيع ليس حقيقة فى طالب النفع.
__________________
(١) سورة يونس ١٠ / ٢٧.
(٢) رد الإمام الباقلانى على من استشهد بهذا الحديث ووضح أنه من شبه الخصوم فقال : «فصل نذكر فيه شبها لهم يرومون بذلك دفع الأخبار الصحاح المجمع على صحتها فى صحة الشفاعة ... فإن قالوا : هذه الأخبار تعارض بمثلها فإنه قد روى الحسن البصرى وغيره عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «لا تنال شفاعتى أهل الكبائر من أمتى».
فالجواب من وجهين : أحدهما : أن هذا عن الحسن لم يصح ، ولم يرد فى خبر صحيح ولا سقيم ، وإنما هو اختلاق وكذب» [انظر الإنصاف للباقلانى ص ١٦٨ ـ ١٧٦ فقد وضح الموضوع ورد على المخالفين بالتفصيل].