فى شيء ، وعاصيا بغيره ، فلا امتناع فيه. كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة ، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات : كالصلاة ، والصوم ، والحج ، وغيره بالصحة ، ووقوعها موقع الامتثال ، والخروج عن عهدة أمر الشارع ؛ بخلاف ما يقارن الشرك منها ، وإجماع الأمة دل عليه أيضا. وعلى هذا : فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية ، وأن يكون مثابا على هذه ، ومعاقبا على هذه.
وعلى هذا : يخرج الجواب عن الحجة الثانية أيضا ، فإن التعظيم ، والإهانة إنما يمتنع اجتماعهما من شخص واحد لواحد ؛ أن لو اتحدت جهة التعظيم والإهانة ، وإلا فبتقدير أن يكون معظما من جهة ، مهانا من جهة ، معظما / من جهة طاعته ، مهانا من جهة معصيته ؛ فلا مانع فيه.
وأما الحجة الثالثة : القائلة بتأبيد الثواب ، والعقاب ؛ فمبنية على التحسين والتقبيح ، ووجوب رعاية الحكمة ، والثواب ، والعقاب للمطيع ، والعاصى على الله ـ تعالى ، وقد أبطلناه (١). وبتقدير التسليم لهذه الأصول جدلا ، فما المانع من تأبد الثواب ، والعقاب على فعل الطاعة ، والمعصية ، وذلك بأن يجمع الله ـ تعالى ـ له بين النعيم ، والعذاب أبدا سرمدا. كما يجمع للواحد منا فى الدنيا بين الغموم ، والهموم والأفراح باجتماع الأسباب الموجبة لها ، حتى أنه يكون فرحا بأمر ، ومغموما مهموما بأمر ، أو بأن يعاقبه تارة ، وينعمه أخرى إلى ما لا يتناهى.
وهذا هو الأولى فى العقل ، من تعطيل أحد السببين ، واعتبار الآخر.
فلئن قالوا : القول بذلك مما يبطل الثواب والعقاب معا ؛ إذ النعيم هو الّذي لا يشوبه كدر ، والعذاب المقيم هو الّذي لا يشوبه راحة.
قلنا : وما المانع من قسم أخر ، وهو نعيم مشوب بكدر ، وعذاب مشوب براحة ، ويكون المتمحض من النعيم ، لمن تمحضت طاعاته غير مشوبة بالزلات ، والمتمحض من العذاب ، لمن تمحضت زلاته غير مشوبة بالطاعة ، والمشوب لمن شاب الطاعات بالزلات ، والزلات بالطاعات ، إذ هو أولى وأقرب ، إلى العدل على أصولكم.
__________________
(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ل ١٧٤ / ب وما بعدها.