وإن سلمنا امتناع الجمع بين الثواب الدائم ، والعقاب الدائم ، فما المانع أن تكون الطاعة محبطة للمعصية كما قاله المرجئة ؛ بل وهو الأولى ؛ إذ هو أقرب إلى العفو ، والصفح المستحسن عقلا ، وشرعا.
فلئن قالوا : إنما أسقطنا الثواب بالعقوبة لوجهين :
الأول : أن استحقاق العقاب ، أقوى من استحقاق الثواب ؛ وذلك لأن استحقاق من خالف الأعلى للعقاب ، أشد من استحقاق من خالف الأدنى ، على ما لا يخفى عرفا ، وفى الطاعة بالعكس ، فإن استحقاق مطيع الأعلى ؛ لكونه أولى باستحقاق الطاعة للثواب يكون أدنى من استحقاق مطيع الأدنى للثواب.
وعلى هذا فاستحقاق مخالف الله ـ تعالى ـ للعقاب يكون أشد من استحقاقه للثواب بطاعته.
الثانى : هو أن الردة محبطة للطاعات وفاقا ، والردة من الكبائر فكان فى حكمها كل كبيرة.
قلنا : أما قولهم : إن استحقاق من خالف الأعلى للعقاب أشد من استحقاق من خالف الأدنى.
لا نسلم ، وما المانع أن يقال : بأن استحقاق / / العقاب إنما يكون أشدّ عند ما إذا كان تضرّر المخالف بالمخالفة أكثر ، والرب ـ تعالى ـ مقدّس عن الإضرار والانتفاع ، فكان استحقاقه للعقاب أدنى من استحقاق غيره ؛ فكان أولى بالعفو والصفح؟
وقولهم : إن استحقاق مطيع الأعلى للثواب أولى من استحقاق مطيع الأدنى. لا نسلم. / وما المانع أن يقال : بأن مطيع الله ـ تعالى ـ أولى باستحقاق الثّواب ، من المطيع لغيره ، نظرا إلى ما يلحقه فى طاعة الله ـ تعالى ـ من المكابد ، والمشاق فى النظر ، والاستدلال ودفع الوساوس ، والشّبهات ، ومغالبة الشّهوات ، وقهر النّفس الأمّارة بالسوء ؛ بخلاف طاعة غيره ، وقد قال عليهالسلام «ثوابك على قدر نصبك» (١) والّذي يدل على ترجيح الطاعات على الكبيرة الواحدة أمور ثلاثة :
__________________
/ / أول ل ١٣٣ / ب
(١) حديث صحيح ـ رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : يا رسول الله يصدر الناس بنسكين ، وأصدر بنسك. فقيل لها : «انتظرى فإذا طهرت فاخرجى إلى التنعيم فأهلى ، ثم ائتينا بمكان كذا ؛ ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك». صحيح البخارى ـ كتاب العمرة ـ باب أجر العمرة على قدر النصب ٣ / ٦٠٥