الأول : أنهم حكموا بأن الصغائر محبطة بالطاعات إذا تجردت عن فعل الكبيرة ، وذلك يدل على ترجيح جانب الطاعة على المعصية.
الثانى : أن أكثر المعتزلة جوزوا غفران الكبيرة عقلا ، إذا مات مقارفها من غير توبة ، ولم يجوز أحد منهم إحباط الطاعات إذا تجردت عن الزلات ؛ فدل على ترجيح العبادة على المعصية.
الثالث : أن السمع قد دل على الترجيح بقوله ـ تعالى : ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (١).
قولهم : إن الردة محبطة للطاعات ؛ فكذلك غيرها من الكبائر. فهو مبنى على كون الردة محبطة للطاعات عقلا ، وهو غير مسلم ، على ما عرف من أصلنا فى امتناع وجوب الثواب والعقاب على الله ـ تعالى.
وبتقدير التسليم لذلك ، فلا يلزم من كون الردة محبطة للطاعات ، أن يكون غيرها من الكبائر كذلك ؛ لجواز اختصاص ذلك بالردة دون غيرها ، ولهذا فإن المرتدّ لا يساهم المسلمين فى استحقاق الفيء (٢) ، والغنيمة (٣) ، وحضور المساجد ، ولا يدفن فى مقابر المسلمين ، ولا يصلى عليه ، بخلاف أرباب الكبائر.
سلمنا صحة إحباط الطاعة بالمعصية عقلا ؛ لكن مع المساواة ، أو مع كون الطاعة أزيد من المعصية.
الأول مسلم : والثانى ممنوع ، وبيانه من وجهين :
الأول : أن ذلك يفضى إلى المساواة بين من عبد الله ـ تعالى طول دهره ، وكان عالما بالله ـ تعالى ـ وصفاته ، وما يجوز عليه ، وما لا يجوز عليه ، وبين فرعون ، وهامان ، ومن لم يطع الله تعالى طرفة عين ، وذلك خلاف مقتضى الحكمة وتحسين العقول ، وتقبيحها.
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ / ١٦٠.
(٢) الفيء : ما رده الله على أهل دينه من أموال من خالفهم فى الدين بلا قتال : إما بالجلاء ، أو بالمصالحة على جزية أو غيرها. [التعريفات للجرجانى ص ١٩٢].
(٣) الغنيمة : اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة ، وقهر الكفرة على وجه يكون فيه إعلاء كلمة الله ـ تعالى ـ وحكمه أن يخمس ، وسائره للغانمين خاصة. [المصدر السابق ص ١٨٥].