الثانى : هو أن ذلك من مستقبحات العقول ، وذلك أن من أحسن إلى غيره طول دهره ، ولم يأل جهدا فى طاعته ، وبذل مهجته فى مرضاته ، فإنه لا يحسن فى العقل بتقدير إساءته إليه مرة واحدة ، ولا سيما إن كان المساء إليه ممن لا يتضرر بتلك الإساءة أن يحبط ما مضى له من طاعته ، ويعاقبه على تلك الزلة أبد الآبدين. وقوله ـ تعالى : ـ (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (١) فالمراد به أن يكون قاصدا بالصدقة المن ، والأذى ، والطاعة ؛ فغير متحققة مع ذلك.
أما أن يكون المراد به إبطالها بالمن بعد تحققها عبادة ؛ فلا. وإن سلمنا أن المراد بها الإبطال بعد التحقق ، فغايته الدلالة على الإحباط بالسمع ، ونحن لا ننكر ذلك سمعا ، وإنما / ننكره عقلا.
وعلى هذا يخرج الجواب عن قوله ـ تعالى : ـ (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٢).
وأما حجة الجبائى : على أن الطاعة لا تنقص عقاب المعصية ، وأن المعصية لا تنقص ثواب الطاعة ؛ فيلزمه منها أن يكون حال من أطاع الله ـ تعالى ـ من غير معصية ، كحال من أطاعه مع المعصية. وأن يكون حال من عصى الله ـ تعالى ـ مع الطاعة ، كحال من عصى الله ـ تعالى ـ من غير طاعة ؛ وهو خلاف الحكمة ، وما يقتضيه التعديل.
وعلى هذا : فلا يلزم من كون المعصية إذا نقصت عن الطاعة ألا تنقص [من ثواب الطاعة. وإن لم يعاقب عليها ، ولا من كون الطاعة إذا نقصت عن المعصية ألا تنقص من] (٣) عقاب المعصية ، وإن لم يثب عليها.
وأما حجة أبى هاشم : فيلزمه عليها أن ينقص ثواب التائب عن المعصية بقدر عقاب المعصية ؛ وإلا كان حال من أطاع مع المعصية : كحال من أطاع من غير معصية. وهو خلاف الإجماع. فما هو الجواب له فى صورة التائب ، هو الجواب فى غيرها.
وأما حجة الجبائى : على امتناع التساوى بين الطاعة ، والمعصية عقلا ، فهى مبنية على وجوب الثواب / / والعقاب ، وهو ممنوع على ما عرف ، وبتقدير وجوبه ، لكن مع التساوى بين الطاعة ، والمعصية ، أو مع التفاوت.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٢٦٤.
(٢) سورة الزمر ٣٩ / ٦٥.
(٣) ساقط من أ.
/ / أول ل ١٣٤ / أ.