فإن لم تقولوا به فهو خلاف المعقول ؛ فإنه إذا جاز ظهور الخارق مع التحدى ، وثبت كونه مقدورا لله ـ تعالى ؛ فعدم التحدى لا يخرجه عن جوازه ، وعن كونه مقدورا.
ولهذا فإنا لو فرضنا وقوعه لم يعرض عنه لذاته محال. ثم هو خلاف أصلكم ، ومذهبكم ، وما دل عليه نصوص كتابكم ، وما اشتهر عن كثير من الأولياء ، والصالحين.
أما الكتاب : فما أخبر به عن قصة أهل الكهف وما ظهر لهم من الآيات وخوارق العادات (١) ، وما أخبر به عن أم موسى ، وإلقاء موسى فى اليم (٢) ، وما أخبر به عن مريم (٣) من ضروب الكرامات ، ووجود ، فاكهة الصيف عندها فى الشتاء ، وفاكهة الشتاء فى الصيف ، ولم يصر أحد من المسلمين ولا أحد من أرباب المقالات إلى أنهم / كانوا أنبياء.
وأما السنة : فقوله عليه الصلاة والسلام : «إن من أمتى مخاطبون ، ومكلمون وإن عمر منهم» (٤).
وأما الاجماع : فهو أن الصحابة لم يزالوا متفاوضين فى كرامات الأولياء وما كان منها لمن تقدم من الصلحاء ، وعباد بنى إسرائيل ، ولم يزالوا على ذلك فى كل عصر إلى حين ظهور المخالفين من غير نكير ؛ فكان اجماعا.
/ / وأما ما اشتهر من ذلك عن الأولياء بالأخبار اليقينية الصادقة : فكالمشهور عن عمر ـ رضى الله عنه ـ من قصة سارية (٥) حيث حذره من الكمين وعمر على منبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وسارية بنهاوند ، وغيره من الحكايات المنقولة عن الأولياء وما ظهر على أيديهم من الغرائب والعجائب مما آحادها وإن كانت آحادا ؛ فنازلة منزلة التواتر فى إفادة اليقين.
__________________
(١) وهى أن الله سبحانه وتعالى أبقاهم ثلاثمائة سنة وأزيد نياما أحياء بلا آفة ولم يكونوا أنبياء إجماعا.
(٢) ونجاته وتربيته فى بيت عدوه فرعون ، وقيام أمه بارضاعه ، وتعهده ، وتربيته.
(٣) حيث حملت بلا ذكر ، ووجد الرزق عندها بلا سبب ، وتساقط عليها الرطب من النخلة اليابسة.
(٤) ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٩٢ «وأخرج البخارى عن أبى هريرة قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون ، فإن يكن فى أمتى أحد فإنه عمر» [: أى ملهمون]
/ / أول ل ٧٤ / ب.
(٥) انظر تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٩٩ ، ١٠٠ : فصل فى كراماته ـ رضى الله عنه ـ فقد ذكر هذه الكرامة واستدل عليها بأقوال المحدثين ، والأئمة ، والصحابة بالتفصيل.