الأول : ممتنع مخالف لضرورة العقل ؛ وذلك لأن الإرسال سبب لهلاكهم ، واستحقاق العقوبة عليهم ، وخلودهم فى النار ، ولا كذلك فى عدم الإرسال ، وما علم الله أنه سبب هلاك العبد كيف يكون أصلح للعبد مما لا هلاك فيه.
وإن كان الثانى : فليس القول بإيجابه عقلا ، مع أنه ليس أصلح أولى من عدم الإيجاب ؛ بل عدم الإيجاب أولى كعدم ملازمة الهلاك له وملازمة الهلاك فى مقابله.
والقول بأن الإرسال فى هذه الصورة حسن وليس واجبا ؛ فهو أيضا باطل على أصول القائلين بالتحسين والتقبيح العقلى ؛ وذلك لأنه لا يخلو : إما أن يكون الإرسال فى الصورة المفروضة استصلاحا ، أو استفسادا ، أو أنه عرىّ عن الأمرين :
فإن كان الأول : لزم القول على أصلهم بالوجوب ؛ لما فيه استصلاح العبد.
وإن كان الثانى : لزم القطع بتقبيحه.
وإن كان الثالث : فليس القول بالتحسين مع خلوه عن الاستصلاح أولى من القول بعدمه ؛ بل القول بالتقبيح وعدم التحسين أولى ؛ لما فيه من العبث والخلو عن الغرض.
وأما من قال بامتناع البعثة إذا لم تتضمن تعريف أمر متجدد من القضايا الشرعية ، أو نسخ شيء منها ، أو تذكيرا بما نسى ، واندرس من الشرائع المتقدمة ؛ فهو فاسد من وجهين :
الأول : أنه مبنى على وجوب رعاية الحكمة فى فعل الله تعالى ـ وقد سبق إبطاله فى التعديل والتجوير (١).
الثانى : وإن كان لا بد من رعاية الحكمة والغرض ، فما المانع أن يكون الغرض التأكيد بضم طريق معرفته إلى آخر ، كما جاز القول بنصب أدلة على الواجبات العقلية عندهم ، وإظهار معجزات متوالية دالة على صدق النبي مع استقلال المتقدم منها بذلك.
فإن قيل : إنما جاز نصب الأدلة العقلية ، وإظهار المعجزات المتعددة الدالة على صدق الرسول ؛ لأن الناس يتفاوتون فى دلالة الأدلة العقلية ودلالة المعجزات على
__________________
(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ١٨٦ / أو ما بعدها ص ١٥١ وما بعدها من الجزء الثانى.