فنقول : ما يدعيه من المعجزات الخارقة للعادة : كاحياء الميت ، ونحوه نعلم بالضرورة أنه لم يكن معتادا فيما سلف من الأزمنة كما نعلم أنه لم تكن العادة جارية بأن البحار تحوى ذهبا ، وأن بالجبال يواقيت وجواهر ، وأن الإنسان كان يموت ويحيا إلى غير ذلك. وهذا الوجه فى غاية الحسن والدقة.
ومنهم من قال : وإن كان اظهار المعجزة على يد الكاذب مقدورا ؛ فلا يلزم أن يكون وقوعه جائزا. وإن قدرنا جواز خرق العوائد ، كما لا يجوز وقوع خلاف معلوم الله ـ تعالى ـ وإن كان مقدورا.
لكن قد بينا فى الصفات أن النزاع فى كون الشيء مقدورا مع امتناع وقوعه راجع إلى نزاع لفظى والأوجه للمذهبين الأولين وما ذكروه من الوجهين الأخريين فى تقرير الشبهة ؛ فمندفع بما قررناه من أن العلم الضرورى بالتصديق حاصل عادة ، وأن تجويز غير ذلك من الاحتمالات لا يقدح فيما هو معلوم عادة.
وعن الثالثة والثلاثين : ـ
بما بيناه من إحالة الكذب على الله تعالى (١).
وعن الرابعة والثلاثين : ـ
القائلة : بامتناع وصول خبر التحدى إلى جميع الناس أن نقول إذا ادعى الرسالة ، وتحدى بما نعلم بالضرورة أنه من خوارق العادات فى كل عصر ، ومصر : كإحياء الميّت ، وغيره مما ذكرناه وعجز من فى قطره عن معارضته. فإنا نجد من أنفسنا العلم الضرورى بتصديقه كما فرضناه من الصورة المستشهد بها. فإنّا نعلم أن القائل للملك إن كنت رسولا عنك فقم ثلاث مرات ، وإن لم أكن فلا تقم ، فإنه بتقدير فعله لذلك نعلم كونه مصدقا له بتقدير عجز الحاضرين عن الاتيان بمثله ، وإن لم يكن قد بلغ الخبر بذلك إلى غير الحاضرين ، ويلزم من ذلك أن يكون رسولا بالنسبة إلى كل من بلغته دعوته ، وخرج على هذا ما استشهدوا به من الصنائع البديعة فإنه لا ينتهى إلى حد / المعجزات ، ولا القرية تنزل منزلة الإقليم والقطر.
__________________
(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع ـ المسألة الحادية عشرة : فى استحالة الكذب فى كلام الله ـ تعالى. ل ١٦٥ / ب وما بعدها ص ٨٣ وما بعدها من الجزء الثانى.