وإن لم تدل : فيفضى ذلك إلى انقلاب دلالة ما وجبت دلالته ، وخروجه عما وجب له ؛ وهو محال كما فى الأدلة العقلية.
والثانى : أن المعجزة وإن لم تتعلق بتصديق الرسول كتعلق الدلالات العقلية ، إلا أن دلالتها واجبة الاقتران بالتصديق ؛ [لما بيناه ؛ فلو ظهرت على يد الكاذب ؛ لما كانت مقترنة بالتصديق] (١) وما وجب له أن يكون مقارنا للتصديق استحال تقديره منفردا ؛ لما فيه من اخراج الواجب عن كونه واجبا ، ولهذا فإن مقارنة الحياة للعلم ومقارنة الآلام القائمة بالحى للعلم لما كانت واجبة ؛ استحال فرض وجود العلم منفردا عن الحياة ، والآلام القائمة بالحى منفردة عن العلم بها.
وذهب القاضى أبو بكر وجماعة من أصحابنا : إلى أن إظهار المعجزات على أيدى الكذابين من المقدورات. لكن اختلف هؤلاء :
فمنهم من قال إن انخراق العوائد وقلبها غير مستبعد فى مقدور الله ـ تعالى ـ كما سبق (٢) وملازمة العلم بتصديق من ظهرت المعجزة على وفق تحديه وإن كان معتادا جاريا مجرى سائر العاديات كملازمة العلم الضرورى من أخبار التواتر وخجل الخجل ، ووجل الوجل عند احمراره ، واصفراره فلا يمتنع خرق العادة فيه فى مقدور الله ـ تعالى ـ وذلك بأن توجد المعجزة مع التحدى غير مقترنة بالعلم بتصديق المتحدى.
وعلى هذا فلا يمتنع إظهار المعجزة على أيدى الكذابين ؛ ولكن بشرط قلب العادة فى ملازمة العلم الضرورى بالتصديق لإظهار المعجزة / على يده ، وأما مع عدم خرق هذه العادة ؛ فلا يتصور إظهار المعجزة على يده ؛ لما فيه من العلم الضرورى بصدق من ليس بصادق ؛ وهو محال. وكل ما يدعيه فى هذا الباب من المعجزات : كاحياء الميت وابراء الأكمة ، والأبرص ، وفلق البحر إلى غير ذلك. فملازمة العلم الضرورى له بتصديق / / من ظهر على يده من المتحدين معتاد غير منقلب عن العادة ؛ فلا يجوز إظهاره على أيدى الكذابين.
فان قيل : إذا جوزتم قلب العوائد وخرقها ؛ فما المانع أن يكون ما تذكرونه من المعجزات على نبوة من سلف من الأنبياء كانت معتادة فى زمنهم وأن لم تكن معتادة فى زمننا ، وعند هذا فلا تكون حجة على صدقهم.
__________________
(١) ساقط من (أ)
(٢) راجع ما مر ل ١٣١ / ب وما بعدها. القاعدة الخامسة : الأصل الثانى : الفصل الثانى.
/ / أول ل ٧٩ / أمن النسخة ب.